هذه هي الأدلة الناهضة على إثبات أمر آخر و صفة أخرى نفسانية مسماة ب «الطلب» التي تكون بمنزلة الإرادة في مبدئيتها للأوامر و النواهي، و المقصود الأصلي إثباتها في المبدأ الأعلى، و لكن الأدلة تورث ثبوتها في غيره تعالى.
إفادة فيها فائدة: مغايرة الطلب النفسيّ للكلام النفسيّ
ربما يستظهر من بعض الكلمات: أن القول بالطلب قبال الإرادة، هو القول بالكلام النفسيّ [1].
و لكن الحق خلافه، فإن مسألة الكلام النفسيّ، نشأت من اختلاف الأشاعرة و المعتزلة في كيفية توصيفه تعالى بالتكلم، و لا نظر عندئذ إلى مبادئ الأوامر و النواهي. كما أن أدلة الكلام النفسيّ، غير أدلة الطلب النفسانيّ الّذي هو مبدأ التكاليف الإلهية بالنسبة إلى العصاة و الكفار، دون غيرهم، أو الكل بناء على مقتضى البرهان الأخير.
نعم، يمكن دعوى: أن الطلب النفسانيّ و الكلام النفسيّ في المبدأ الأعلى واحد، لأنه تعالى يوصف بالتكلم لتلك الصفة، و هي مبدأ كلامه من الأمر و النهي، و غير ذلك من الكلمات الصادرة عنه تعالى وحيا و إيحاء من الكتب السماوية و الأصوات الحاصلة في اسماع الأنباء من الأشجار و غيرها، فعليه ترجع المسألتان في الحقيقة إلى جهة واحدة، فلذلك يصح الاستدلال لهم بالأدلة الأخرى المذكورة في المفصلات حول إثبات الكلام النفسيّ، و نحن نشير إلى أمتنها و هو:
الرابع: لا شبهة في توصيفه تعالى و تقدس بصفة «المتكلم» و لا إشكال في أن الاتصاف و الحمل، لا يعقل إلا بنحو من الارتباط بين مبدأ المشتق و الموضوع، و ذلك المبدأ إما يكون الألفاظ الصادرة من الفاعل و المتكلم، أو تكون محكياتها القائمة