قلت: ما منعناه هو الوجود الرابط، غير الوجود النفسيّ و الرابطيّ، و أمّا المعاني الحرفيّة و النسب، فكلّها إن كانت ترجع إلى الرابطيّ- كما هو الحقّ عندنا- فهو، و إلاّ فلا سبيل إليها، ففيما نحن فيه لا ننكر أنّ المشتقّ مركّب من الذات و المعنى الحرفيّ، و هو الحاكي عن وجود البياض، و أمّا نفس «البياض» في كلمة «أبيض» فهو مفاد المادّة، و هو مفهوم الحدث مثلاً، و لا شيء آخر وراء مفهوم الذات، و التقيّدِ الحاكي عن وجود العرض في موضوعه.
إن قيل: فلا يبطل بعض الاحتمالات الأُخر؛ لإمكان اختيارهم ذلك، أي يكون مرامهم في النسبة أنّها الوجود الرابطيّ، لا الرابط الّذي لا أساس له.
قلنا: نعم، و لكن بطلان تلك الاحتمالات، لا يحتاج إلى إقامة برهان؛ فإنّ احتمال كون مفاد الهيئة هي النسبة فقط، و احتمالَ كونه المبدأ المنتسب، في غاية الوهن، و لذلك لا يذهب إلى الأوّل أحد [1]. و ذهاب مثل صاحب «المقالات» إلى الثاني [2]، لا يخرجه عن الوهن؛ بعد شهادة الوجدان على خلافه.
مع أنّه لو كان يصحّ ما أفاده، فيلزم تكرار النسبة في الجملة التصديقيّة، فإنّ قوله: «زيد ضارب» مشتمل على النسبة التصديقيّة، فيصير معناه «زيد ثابت له الضرب المنتسب» أي الضرب الثابت له؛ فإنّ كلمة «ثابت له» مفاد النسبة التصديقيّة. هذا مع أنّه يأبى عن الحمل؛ ضرورة أنّ المبدأ الملحوظ قبال الذات لا يحمل عليها، بخلاف الذات المقيّدة بأمر، فإنّها تحمل.
فهذا القول- و هو تركّب المشتقّ من الذات المبهمة محضاً، و من المعنى الحرفيّ؛ و هو تقيّده بموضوعيّته للمبدإ و الحدث، أو علّيته له- ممّا لا محيص عنه، فلا تغفل.