و ثانياً: ليس الاستعمال إيجاد المعنى، كما مرّ آنفاً.
و ثالثاً: إنّ الخلط بين الحقائق و الاعتباريّات، غير جائز على مثله الّذي هو الواقف على مفاسده، و لذلك وقع فيه الآن؛ ضرورة أنّ اللفظ من مقولة، و المعنى من مقولات شتّى، و لا يعقل الاندراج مطلقاً. و إذا صحّ الاندراج في الجملة اعتباراً، فلا مضايقة من ذلك بنحو الكلّي؛ إذا كان فيه الغرض العقلائيّ، فلاحظ و تدبّر جيّداً.
فبالجملة: القائلون بالامتناع إمّا يعتقدون بصحّة الاستخدام، أو لا، لا سبيل إلى الثاني.
و على الأوّل: إمّا يظنّون أنّ الضمير يستعمل في الكلمة بما لها من المعنى، أو في نفس المعنى، أو لا يستعمل إلاّ فيما وضع له؛ و هي الإشارة إلى المرجع، لا سبيل إلاّ إلى الثاني، و عليه يتعيّن الاستعمال في الأكثر؛ لأنّه حين قوله: «إذا نزل السماء بأرض قوم» [1] يريد بالإرادة الاستعماليّة المعنيين، و بالإرادة الجدّية أحدَ المعنيين؛ بقرينة قوله: «نزل» و إذا وصل إلى قول الشاعر: «رعيناه و إن كانوا غضابا» يريد المعنى الثاني بالإرادة الجدّية، أو يقال: أراد المعنيين من أوّل الأمر، إلاّ أنّه أظهر مراده بالقرينة في محلّه، فلو كان الاستعمال ما توهّمه هؤلاء القوم- و هو إيجاد المعنى باللفظ [2]- فلا يمكن ذلك في الاستخدام إلاّ بالاستعمال في الأكثر.
نعم، بناءً على ما هو الحقّ في الاستعمال؛ و هو الانتفاع من علق الوضع، فلك دعوى أنّه بالضمير الراجع إلى اللفظ يتمكّن من الانتفاع؛ للزوم الانتقال إلى المعنى بذلك الإرجاع، فتدبّر.
فتحصّل: أنّ دعوى الامتناع، غير قابلة للإصغاء إليها.
[1]- الشعر لمعاوية بن مالك، على ما نقله في لسان العرب 6: 379.