يحصل له من الوسع ما يقدر على ارتكاب ما فوقه من دون ضيق، ثم يأمره بما فوقه، و هكذا. و الحاصل: لا نشك في أن التكليف بالأمور الصعاب الشداد التي لا تتحمل غالبا لمن يريد التربية و التكميل و ليس مشوبا بغرض نفساني و تشه اقتراحي غير مستحسن عند العقل، و الأمور القهرية لا مدخل لها في ذلك، سيما مع انحصار العلاج فيه، مع ما فيه من كلام آخر ستسمعه بعد ذلك إن شاء الله تعالى. ثم قال: و أما إيجاب ذلك كثرة المخالفة فهو غير مناف للطف، فإنه نقص من جانب المكلف، و لو أوجب ذلك عدم التكليف لزم أن يكون مقتضى اللطف عدم التكليف، لإيجابه المخالفة، و لا فرق فيما بين الكثرة و القلة، مع أنا نرى كثرة المخالفة بحيث تجاوزت عن الحد، و لم يوجبها إلا أصل التكليف [1]. قلت: في حل هذا الكلام: أن الفرق بين المقامين في غاية الوضوح، و هذا ناش من عدم التأمل في طريقة العقلاء و أرباب اللطف. فإنا نقول: نقص المكلف إذا كان داعيا إلى المخالفة لا يفترق الحال فيه بين السهل و الصعب، و قد نرى أن النفس المطيعة تتحمل من المشاق ما لا تتناهى، و العاصية لا تتحمل أصلا أسهل التكاليف و تأبى عن الإطاعة، و تلك مسألة أخرى. و لا شبهة أن التكليف بما فيه مضيق يكون داعيا إلى المخالفة، أو يكون سببا لتهور النفس، و الذي نمنعه صدور شيء من صاحب اللطف يكون له مدخلية في المخالفة. و ما ذكره من: أنه موجب لارتفاع التكليف، في غير محله، إذ موضوع الإطاعة و المخالفة لا يتحقق إلا بخطاب، و لا يتحقق إعطاء كل أحد ما استحقه بمقتضى اختياره إلا بالتكليف، فهو من مقدمات وجود أحد الأمرين، بخلاف