العالي منها على أكثر الناس ، بخلاف المرسل ، فانفردت به يومئذ ، وكان مستغربا عندهم بين أهل الصناعة.
ثم أخذت نفسي بالشعر ، فانثال عليّ منه بحور ، توسّطت بين الإجادة والقصور ، وكان مما أنشدته إياه ، ليلة المولد النبويّ من سنة اثنتين وستين وسبعمائة :
أسرفن في هجري وفي تعذيبي
وأطلن موقف عبرتي ونحيبي [١]
وأبين يوم البين وقفة ساعة
لوداع مشغوف الفؤاد [٢] كئيب
لله عهد الظاعنين وغادروا
قلبي رهين صبابة [٣] ووجيب[٤]
غربت ركائبهم ودمعي سافح
فشرقت بعدهم بماء غروب [٥]
يا ناقعا بالعتب غلّة شوقهم [٦]
رحماك في عذلي وفي تأنيبي
يستعذب الصّبّ الملام وإنني
ماء الملام لديّ غير شروب [٧]
ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى
لو لا تذكّر منزل وحبيب
[١] النحيب : البكاء.
[٢] مشغوف الفؤاد : مريضه.
[٣] الصبابة : الشوق.
[٤] الوجيب : الاضطراب والخفقان.
[٥] الغروب : الدموع حين تخرج من العين.
[٦] نقع الماء غلته : أروى عطشه.
[٧] الشروب : الذي يشرب ، وفي الإحاطة : الشريب ؛ وهو العذب.