ولما رأوا أن الخطب قد أسرف ، والبلد على الهلاك قد أشرف [٢] ، وما آلت الحال إليه من الهزل والأزل [٣] ، والعجز عن شبّ وقود الحرب بالحطب الجزل ، ولم يشكّوا أنّ ما هم فيه فبالعطب يقضي ، وإلى اليأس / ٤١ / من السّلامة يفضي ، كلّموا الوالي في بقايا الأنجاد أن يحصروا ويحصوا ، ويطعموا ويكسوا ، ويفرغوا للقتال ، ويكفوا ما عداه من الأعمال.
فاستقبح هذا الرأي الحسن ، وخشي أن يستسلف منه بعض ما أوعى واختزن ، فجرى بينه وبينهم كلام أحرجه ، وملام إلى الخوف على نفسه أخرجه [٤] ، فدعا أحد كبراء قومه وخرج له عن التدبير ، وأقعده مقعد الأمير ، فاختار الرجل ألف راجل لذلك المعنى ، ولو أتي غنى الوالي لكان قد أغنى ، وطلب منه سلف مال وطعام يصلح لهذا الغرض ، فما أجاب إلى القرض دون قبض العوض.
فتخلّى الرّجل عمّا نيط به ، وردّ الأمر إلى السّاعي في عطب الناس
والبائر الهالك. وقد بار فلان أي هلك. وأباره الله : أهلكه. وفي الحديث : فأولئك قوم بور ، أي هلكى. وفي حديث أسماء في ثقيف : كذّاب ومبير ، أي مهلك يسرف في إهلاك الناس. ودار البوار : دار الهلاك. لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٨٦.
[٤] إن رفض والي ميورقة للخطة المعروضة عليه في الدفاع عن المدينة كان سببه البخل وخشية الإنفاق حسب ابن عميرة ، وهذه الصفة الذميمة التي اشتهر بها الوالي أكدها ابن سعيد أيضا بقوله : إلى أن أخذ النصارى ميورقة من أبي يحيى بن عمران التنملي ، وكان بخيلا غير حسن التدبير سامحه الله. ابن سعيد ، المغرب في حلى المغرب ، ج ٢ ، ص ٤٦٧.