الرّوم فافترسوا ذيابهم [١] ، لا بل احترشوا ضبابهم [٢] ، وتمّ لهم الخلوص إلى السّور ، ووجب مهر المحنة بإرخاء تلك الستور.
وكان أحد قسّيسيهم [٣] قد حلف وهو مصرّ على مأثمه [٤] ، مستسرّ في مجثمه [٥] ، أنه لا يبالي من الاختفاء حتى يظهر البلاء ، ولا يصعد حتى ينزل [٦] البناء ، فزعموا وعزموا [٧] ، وعدموا المدافع فنقبوا ودعّموا ، وعلم المسلمون أن النقب قد تمكن ، والإجهاز على جرمح السّور قد أمكن ، فاتخذوا بنية يقف عليها المقاتلة ، وبنوا سورا يخلف الأوّل إذا أودت به علّته القاتلة ، وفرغ النصارى من أسباب هدّه ، وعلموا أن بأيديهم فسخ عقده ، وأنّه قنص علق به فخّهم ، وعقيرة تطاولت إليها فسحهم ، فركبوا السّلاح ، وقربوا للكفاح ، واصطفوا على الخندق ، وأخذوا من البلد بالمخنق.
[١] استعارة تصريحية حيث شبّه المؤلف جند الوالي بالذئاب والضباب.
[٢] حرش الضب يحرشه حرشا واحترشه وتحرشه وتحرش به أي صاده ، وهو أن يحك الرجل جحر الضب فإذا أحسه حسبه ثعبانا فيخرج إليه ذنبه فيصطاده حينئذ. لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٢٨٠.
[٣] كان الملك خايمي الذي اتخذ الصليب شعارا لحملته ضد مسلمي جزيرة ميورقة ، قد استدعى كبار الأحبار والرّهبان للمشاركة في هذه الحملة. وكان هؤلاء الرهبان وعلى رأسهم الراهب الدومنيكي ميجيل فايرا ، وأحبار الكنيسة برئاسة أسقف برشلونة والمندوب البابوي يلهبون مشاعر المقاتلين ويحثونهم على الصمود والقتال.
ClementsMarkham. The Story of MajorcaandMinorca;p ٦٢.
[٥] جثم الإنسان والطائر والنعامة والخشف والأرنب واليربوع يجثم جثما وجثوما فهو جاثم : لزم مكانه فلم يبرح أي تلبّد بالأرض. والجاثم : البارك على رجليه كما يجثم الطير. قال تعالى : (" فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ") ، أي أجسادا ملقاة في الأرض ، وقيل أصابهم البلاء فبركوا فيها فماتوا باركين. والجثوم : الأرنب لأنها تجثم ومكانها مجثم. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٨٢.