نظر أهل البلد في بعث النذر لتلافي هذا الأمر النّكر
/ ٣٥ / ولما انتهى إليهم من تلك الموافقة غير الموافق ، وعلموا ما تجلبه الرعية إلى النصارى من الأقوات والمرافق ، أحسوا بالعذاب الواقع [١] ، ويئسوا من الدّواء النافع لهذا السّم الناقع [٢] ، وقالوا الآن علمنا أن الإسلام مخذول وأن البلد مدخول [٣] ، وكيف البقاء ومنا الدّاء ، وبجيرتنا اجترأ علينا الأعداء ، ثم أداروا الرّأي في هذا الخطب الذي يتدارس ذكره ، كيف يتدارك أمره؟
فرأوا أن يبعثوا إلى الرعية جماعة من وجوههم [٤] تسمعهم الملام ، وتنشدهم الله والإسلام ، وتعظهم وطاغيتهم [٥] الجامح في طلق الغواية ، الطامح إلى الرئاسة القاتلة بالسّراية ، فخرجت الجماعة المندوبة ، وأملها أن تصفو الحالة المشوبة ، وتسكن النار المشبوبة [٦] ، فلقوا في طريقهم من استطلعوه الخبر ، واستملوا منه ممالأة من آمن لمن كفر ، فقال لهم إنكم منذ
[١] إشارة إلى قوله تعالى في سورة الطور : ("إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ"). الآيتان ٧ و ٨. وفي سورة المعارج : ("سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ") الآيتان ١ و ٢.
[٣] الدّخل : ما داخل الإنسان من فساد في عقل أو جسم ، وقد دخل دخلا ودخل دخلا فهو مدخول أي في عقله دخل. والدّخل : العيب والغش والفساد. وداء دخيل : داخل ، وكذلك حبّ دخيل. وقوله تعالى : ("تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ"). أي لا تتخذوا أيمانكم غشا بينكم وغلّا وخديعة ومكرا. والمدخول : المهزول والدّاخل في جوفه الهزال. لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٢٤١.
[٤] كناية عن موصوف ، وهم الرجال الأعيان الذين لهم صيت ونفوذ وكلمة مسموعة.