ذكر ابن حيان ضبطه للدولة بعد موت أبيه ، ونفيه من خاف فتنته من الغلمان إلى سبتة ، وأحبه الناس ، وانصبّ التأييد والإقبال عليه انصبابا لم يسمع بمثله ، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة ، فأخذوا في المكاسب والزينة ، وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال.
وكان أحمد بن فارس المنجم قد قال : لم يولد بالأندلس قط أسعد من المظفر على نفسه وعلى أبيه وحاشيته ، نعم! وعلى أهل الأندلس طرّا وأنها لا تزال بخير حياته ، فإذا هلك لم تفلح ، فكان كذلك. وكانت نفائس الأعلاق والآلات الملوكية قد ارتفعت في وقته ارتفاعا عظيما ، وبلغت الأندلس في مدته إلى نهاية الهدو والرفاهية ، وجرى على سنن أبيه من غزو النصارى ، وضبط الدولة ، ورام صهره عيسى بن سعيد المعروف بابن القطاع أن يأخذ الدولة ، ففطن به ، وعاجله وقتله في مجلس المنادمة.
إلا أنه لم يكن فيه للأدب ما كان له من أبيه ، فقد وصفه ابن حيان بأنه كان مائلا لمجالسة العجم الجفاة من البرابر والإفرنج. منهمكا في الفروسية وآلاتها ، إلا أن أصحاب أبيه لم يخلّ بهم ولا جفاهم ، بل أبقاهم على رسمهم.