وما قيل [٢] في دفعه : من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة [٣].
فيه : ـ مضافا إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها [٤] ، بداهة أنّه [٥] ليس باحتياط حقيقة ، بل هو أمر [٦] لو دلّ عليه دليل كان مطلوبا مولويّا نفسيّا عباديّا ؛ والعقل لا يستقلّ إلّا بحسن الاحتياط ، والنقل لا يكاد يرشد إلّا إليه. نعم ، لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة لما كان محيص عن دلالته اقتضاء على أنّ المراد به ذاك المعنى بناء على عدم إمكانه فيها بمعناه حقيقة ، كما لا يخفى ـ أنّه التزام بالإشكال وعدم جريانه
[١] أي : بل يكون حال الاحتياط في حسنه وترتّب الثواب عليه حال الإطاعة.
[٢] والقائل هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٣.
[٣] هذا هو الجواب الثالث من الأجوبة المذكورة في دفع إشكال الاحتياط في العبادة. وهو ما أفاد الشيخ الأعظم الأنصاريّ. وتوضيحه : أنّ في أوامر الاحتياط الواردة في الأخبار وجهين :
الأوّل : أن يكون المراد من الاحتياط المأمور به هو الاحتياط بمعناه الحقيقيّ ، وهو إتيان العمل بجميع ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط حتّى نيّة التقرّب وقصد الأمر.
الثاني : أن يكون المراد من الاحتياط المأمور به هو الاحتياط بمعناه المجازيّ ، وهو إتيان العمل الجامع لتمام ما يعتبر فيه إلّا نيّة التقرّب وقصد الأمر.
والتحقيق أنّ محذور الدور إنّما يلزم على الوجه الأوّل ، ولكنّه غير مراد. وأمّا على الوجه الثاني ـ وهو المراد من الاحتياط في الروايات الآمرة به ـ فلا يستلزم محذور الدور ، إذ لا يكون قصد القربة ـ أي قصد الأمر ـ دخيلا في موضوع الأمر بالاحتياط ، بل كان موضوعه مجرّد إتيان الفعل بجميع أجزائه وشرائطه عدا نيّة القربة. وحينئذ يمكن تحقّق عنوان الاحتياط في العبادة بالإتيان بالعمل بتمام أجزائه وشرائطه ـ عدا نيّة القربة ـ ولو مع الجهل بتعلّق الأمر به ، بل يكفي احتمال الأمر به شرعا. وعليه فيمكن للمكلّف أن يقصد التقرّب بهذا العمل بنفس الأمر بالاحتياط. فرائد الاصول ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٣.
[٤] أي : حسن الاحتياط في العبادات بالمعنى المجازيّ.