إعلم أنّ للحجّ أسرار
وفوائد لايمكن إحصاؤها وإن خفيت على الملحدين كابن أبي العوجاء وأشباهه; لأن من
أضله اللّه وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه وربّه،
يورده مناهل الهلكة ثم لايصدره، إذ من الواضح أنّ اللّه تعالى سنّ الحجّ ووضعه على
عباده إظهاراً لجلاله وكبريائه وعلوّ شأنه وعظم سلطانه ، وإعلاناً لرقّ الناس
وعبوديّتهم وذلّهم واستكانتهم، وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم،
والملاك لمماليكهم، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب، واللبث في حجاب بعد حجاب،
لايؤذن لهم بالدخول حتّى تقبل هداياهم، ولا تقبل منهم الهدايا حتّى يطول حجابهم،
وأنّ اللّه تعالى قد شرف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه، واصطفاه لقدسه ، وجعله
قياماً