responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : هداية الناسكين نویسنده : الصانعي، الشيخ يوسف    جلد : 1  صفحه : 226

]الثالث: من أفعال العمرة السعي[

الثالث: من أفعال عمرة التمتّع إلى الحجّ السعي([1])، وهو ركن فيها أيضاً يبطل


[1] القول في السعي:

انّ اللّه تعالى أمر عبده وخليله إبراهيم أن يخرج بزوجته هاجر من الشام إلى صحراء الجزيرة حيث يقع الحرم، فلمّا وافي إبراهيم منطقة الحرم حيث تقع مكّة اليوم نزل فيها فوجد شجراً فألقت هاجر كساءً كان معها تستظلّ تحته، فلمّا سرهم إبراهيم7 ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر ياابراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ فقال إبراهيم: الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم، ثم انصرف عنهم. فلمّا بلغ كدى. وهو جبل بذي طوى التفت إليهم إبراهيم فقال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(ابراهيم 14: 37) ثم مضى وبقيت هاجر. فلمّا ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس؟ فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي وظنّت انه في ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلمّا بلغت المسعى غاب عنها، إسماعيل، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلمّا غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا، فنظرت حتّى فعلت ذلك سبع مرات فلمّا كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى اسماعيل، وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعادت حتّى جمعت حوله رملاً، فإنّه كان سائلاً فزمته بما جعلته حوله، فلذلك سمّيت زمزم .

إنّ هذا المشهد العجيب استنزل يومذاك رحمة اللّه تعالى، ففجر اللّه لهما زمزم في واد غير ذي زرع وجعلها مصدراً أو مبدأً لكثير من البركات على هذه الأرض المباركة وجعل هذا المشهد جزءاً من أعمال الحجّ، ولذلك نرى أنّ الأطفال الرضع إذا اضرّ بهم ألم، أو جوع، أو ظلماً أو برداً أو حرّاً كانوا أقرب إلى رحمة اللّه من الكبار الذين يطيقون ذلك كلّه ولأن الحاجة تضرّ بهم اكثر من الكبار وقد ورد في الدعاء (اللهم اعطني لفقري) والفقر إالى اللّه لوحده يستنزل رحمة، وكلمّا كان الفقر إلى اللّه أعظم كان أدعى لنزول رحمة اللّه، فإن الفقر إلى اللّه يجعل الانسان عند رحمة اللّه ويقرّب الإنسان منه وفي هذا المشهد كان صراخ الطفل وضجيجه وبكاؤه من شدة العطش مشهداً نافذاً مؤثراً في استنزال رحمة اللّه تعالى .

والمنزل الثاني لرحمة اللّه في هذ المشهد هو السعي، وهو شرط للرزق ولا رزق من دون سعي، وقد جعل اللّه تعالى السعي والحركة في حياة الإنسان مفتاحاً للرزق .

والمنزل الثالث لرحمة اللّه تعالى في هذا المشهد هو دعاء أمّ إسماعيل وانقطاعها إلى اللّه واضطرارها إليه في طلب الماء في هذا الوادي غير ذي زرع، وكلّما انقطع الإنسان في دعائه إلى اللّه اكثر كان أقرب إلى رحمة اللّه ولولا تلك الرحمة لم يكن انقطاعك إلى اللّه وسعيك بين الصفا والمروة من شعائر اللّه في الحج (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة 2: 158) وأنّنا اليوم في شعائر حجّنا تسعى هذه الأشواط بين هذين الجلبين من غير معاناة ولا عذاب ولا همّ، وقد قامت أمّنا هاجر بهذا السعي كلّه في ذلك الوادي القفر وفي رمضاء ذلك الهجير وهي ظمائي قد استنقد العطش كلّ حولها وقوّتها ورضيعها الصغير كياد يلفظ آخر انفاسه، ولم يمنها هذا السعي عن الانقطاع إلى اللّه ولم يحجّ بها ولو للحظة واحدة عنه تعالى لقد كانت في هذا السعي المرير كلّه على اتّصال باللّه، ففجر اللّه (زمزم) تحت أقدام الرضيع وأقام اللّه تعالى في ذلك الوادي بيته المحرّم وبارك في زمزم، وجعل منها سقاية الحاجّ مدى الأجيال، وثبت اللّه هذا السعي والدعاء في ذاكرة التاريخ وجعل منه شعيرة من شعائر الحج .

نام کتاب : هداية الناسكين نویسنده : الصانعي، الشيخ يوسف    جلد : 1  صفحه : 226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست