نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 132
أدخلهم فيها و جعلها مقرهم و مصيرهم، فأحرقت
جلودهم و لحومهم جدد لهم عزّ و جلّ جلودا و لحوما كما قال عزّ و جلّ: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها
[النّساء: الآية 56] يفعل عزّ و جلّ بهم ذلك كما وافقوا أنفسهم و أهواءهم في
الدنيا في معاصيه عزّ و جلّ، فأهل النار تجدد لهم كل وقت جلود و لحوم لإيصال
العذاب و الآلام إليهم، و أهل الجنة يجدد لهم كل وقت نعيم لتتضاعف الشهوات و
اللذات لديهم. و سبب ذلك مجاهدة النفس و عدم موافقتها في دار الدنيا و هذا معنى
قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «الدنيا مزرعة الآخرة»[1].
المقالة الثامنة و الستون في قوله تعالى:
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرّحمن: الآية 29]
قال رضي اللّه عنه و أرضاه: إذا أجاب اللّه عبدا ما سأله و أعطاه ما طلبه
لم تنخرم إرادته و لا ما جف به القلم و سبق به العلم، لكنه يوافق سؤاله مراد ربه
عزّ و جلّ في وقته، فتحصل الإجابة و قضاء الحاجة في الوقت المقدر الذي قدره له في
السابقة لبلوغ القدر وقته كما قال أهل العلم قوله عزّ و جلّ:
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرّحمن: الآية 29] أي
يسوق المقادير إلى المواقيت، يعطي اللّه أحدا شيئا في الدنيا بمجرد دعائه، و كذلك
لا يصرف عنه شيئا بدعائه المجرد، و الذي ورد في الحديث: «و لا يرد القضاء إلا
الدعاء» قيل إن المراد به لا يرد القضاء إلا الدعاء الذي قضى أن يرد لقضائه، و
كذلك لا يدخل أحد الجنة في الآخرة بعمله، بل برحمة اللّه عزّ و جلّ، لكنه يعطي
العباد في الجنة الدرجات على قدر أعمالهم.
و قد ورد في حديث عائشة رضي اللّه عنها: «أنها سألت النبي صلى اللّه
عليه و سلم هل يدخل أحد الجنة بعمله؟ فقال: لا برحمة اللّه، فقالت: و لا أنت؟
فقال: و لا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته و وضع يده على هامته»[2] و ذلك لأن اللّه عزّ و جلّ لا يجب
عليه لأحد حق و لا يلزمه الوفاء بالعهد، بل يفعل ما يريد يعذب من يشاء و يغفر لمن
يشاء، و يرحم من يشاء، فعال لما يريد و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، يرزق من
يشاء بغير حساب بفضل رحمته و منته، و يمنع من شاء بعدله، و كيف لا يكون كذلك
[1] - أورده القاري في المصنوع( ص 101)، و العجلوني في
كشف الخفاء( 1/ 495)،( 2/ 329)، و الفتوحي في أبجد العلوم( 1/ 354).
[2] - رواه ابن حبان( 2/ 60)، و الربيع في مسنده( 1/
282)، و أحمد في المسند( 3/ 52، 337)، و الطبراني في الأوسط( 6/ 332)،( 8/ 74).
نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 132