نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 124
و أما الشكر بالقلب، فبالاعتقاد الدائم. و
العقد الوثيق الشديد المتبرم.
إن جميع ما بك من النعم و المنافع و اللذات في الظاهر و الباطن في
حركاتك و سكناتك من اللّه عزّ و جلّ لا من غيره، و يكون شكرك بلسانك معبرا عما في
قلبك. و قد قال عزّ و جلّ: وَ ما بِكُمْ مِنْ
نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النّحل: الآية 53]، و قال
تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [لقمان: الآية 20]، و قال تعالى:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
[إبراهيم: الآية 34] فمع هذا لا يبقى لمؤمن منعم سوى اللّه تعالى.
و أما الشكر بالجوارح فبأن تحركها و تستعملها في طاعة اللّه عزّ و
جلّ دون غيره من الخلق، فلا تجيب أحدا من الخلق، فيما فيه إعراض عن اللّه تعالى، و
هذا يعم النفس و الهوى و الإرادة و الأماني و سائر الخليقة، كجعل طاعة اللّه أصلا
و متبوعا و إهاما و ما سواها فرعا و تابعا و مأموما، فإن فعلت غير ذلك كنت جائرا
ظالما حاكما بغير حكم اللّه عزّ و جلّ الموضوع لعباده المؤمنين، و سالكا غير سبيل
الصالحين. قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ
[المائدة: الآية 44]، و في آية أخرى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
[المائدة:
الآية 45]، و في أخرى: هُمُ الْفاسِقُونَ [النّور: الآية 55] فيكون انتهاؤك إلى التي وقودها الناس و الحجارة،
و أنت لا تصبر على حمى ساعة في الدنيا و أقل بسطة و شرارة من النار فيها، فكيف صبرك
على الخلود في الهاوية مع أهلها النجا النجا، الوحا الوحا، اللّه اللّه، احفظ
الحالتين و شروطهما، فإنك لا تخلو في جميع عمرك من أحديهما إما البلية و إما
النعمة فأعط كل حالة حظها و حقها من الصبر و الشكر على ما بينت لك، فلا تشكون في
حالة البلية إلى أحد من خلق اللّه، و لا تظهرن الضجر لأحد و لا تتهمن ربك في
باطنك. و لا تشكن في حكمته و اختر الأصلح لك في دنياك، و آخرتك، فلا تذهبن بهمتك
إلى أحد من خلقه في معافاتك فذاك إشراك منك به عزّ و جلّ، لا يملك معه عزّ و جلّ
في ملكه أحد شيئا لا ضار و لا نافع و لا دافع، و لا جالب و لا مسقم و لا مبلى، و
لا معاف و لا مبرئ غيره عزّ و جلّ، فلا تشتغل بالخلق لا في الظاهر و لا في الباطن،
فإنهم لن يغنوا عنك من اللّه شيئا، بل ألزم الصبر و الرضا و الموافقة و الفناء في
فعله عزّ و جلّ، فإن حرمت ذلك كله فعليك بالاستغاثة إليه عزّ و جلّ، و التضرّع من
شؤم النفس، و نزاهة الحق عزّ و جلّ و الاعتراف له بالتوحيد بالنعيم، و التبري من
الشرك، و طلب الصبر و الرضا و الموافقة، إلى حين يبلغ الكتاب أجله، فتزول البلية و
تنكشف الكربة، و تأتي
نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 124