نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 120
إليه يعني يرحمه، فيبعث اللّه إليه واعظا من
خلقه من عباده الصالحين فينبهه، و يثنيه بواعظ من نفسه، فيتضافر الواعظان على نفسه
و طبعه، فتعمل الموعظة عملها، فتبين عندها عيب ما هي فيه من ركوب مطية الطبع و
المخافة فتميل إلى الشرع في جميع تصرفاتها فيصير العبد مسلما قائما مع الشرع فانيا
عن الطبع، فيترك حرام الدنيا و شبهاتها و منن الخلق، فيأخذ مباح الحق عزّ و جلّ و
حلال الشرع في مأكله و مشربه و ملبسه و منكحه و مسكنه و جميع ما لا بد منه، لتحتفظ
البنية و يتقوى على طاعة الرب عزّ و جلّ، و ليستوفي قسمه المقسوم له الذي لا
يتجاوزه و لا سبيل إلى الخروج من الدنيا قبل تناوله و التلبس به و استيفائه فيسير
على مطية المباح و الحلال في الشرع في جميع أحواله تنتهي به هذه المطية إلى عتبة الولاية
و الدخول في زمرة المحققين و الخواص أهل العزيمة مريدي الحق، فيأكل بالأمر، فحينئذ
يسمع نداء من قبل الحق عزّ و جلّ من باطنه: اترك نفسك و تعال، اترك الحظوظ و الخلق
إن أردت الخالق، و اخلع نعليك، و دنياك و آخرتك، و تجرد عن الأكوان و الموجودات و
ما سيوجد و الأماني بأسرها، و تعر عن الجميع و افن عن الكل و تطيب بالتوحيد و اترك
الشرك و صدق الإرادة. ثم وطء البساط بالأدب مطرقا، لا تنظر يمينا إلى الآخرة و لا
شمالا إلى الدنيا و لا إلى الخلق و لا إلى الحظوظ، فإذا دخل في هذا المقام، و تحقق
الوصول جاءت الخلعة من قبل الحق عزّ و جلّ، و غشيته أنواع المعارف و العلوم و
أنواع الفضل، فيقال له: تلبس بالنعم و الفضل و لا تسيء الأدب بالرد و ترك التلبس،
لأن رد نعم الملك افتئاتا على الملك و استخفافا بحضرته و حينئذ يتلبس بالفضل و
القسمة باللّه من غير أن يكون هو فيه و من قبل كأن يتلبس بهواه و نفسه فله أربع
حالات في تناول الحظوظ و الأقسام.
الأولى بالطبع و هو الحرام. و الثانية بالشرع و هو المباح و الحلال.
و الثالثة بالأمر و هي حالة الولاية و ترك الهوى. و الرابعة بالفضل و هي حالة زوال
الإرادة و حصول البدلية و كونه مرادا قائما مع القدر الذي هو فعل الحق و هي حالة
العلم و الاتصاف بالصلاح، فلا يسمى صالحا على الحقيقة إلا وصل إلى هذا المقام، و
هو قوله تعالى:
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ
يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) [الأعراف: الآية 196]
فهو العبد الذي كفت يده عن جلب مصالحه و منافعه و عن رد مضاره و مفاسده، كالرضيع
مع الظئر، و الميت الغسيل مع الغاسل، فتتولى يد القدر تربيته من غير أن يكون له
اختيار و تدبير، فإن عن جميع ذلك لا حالا و لا مقاما و لا إرادة، بل القيام مع
القدرة، تارة يبسط و تارة يغنى و تارة يفقر، و يختار و لا يتمنى زوال ذلك
نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 120