نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 100
لم يجبك عاجلا أثابك آجلا، فقد جاء في
الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، «و العبد يرى في صحائفه حسنات يوم
القيامة لا يعرفها فيقال له إنها بدل سؤالك في الدنيا الذي لم يقدر قضاؤه فيها»[1]، أو كما ورد ثم أقل أحوالك أنك
تكون ذاكرا لربك عزّ و جلّ موحدا له حيث تسأله و لا تسأل أحدا غيره، و لا تترك
حاجتك لغيره تعالى، فأنت بين الحالتين في زمانك كله ليلك نهارك و صحتك و سقمك و
بؤسك و نعمائك و شدتك و رخائك، و إما أن تمسك عن السؤال، و ترضى بالقضاء و توافق و
تسترسل لفعله عزّ و جلّ، كالميت بين يدي الغاسل، و الطفل الرضيع في يدي الظئر، و
الكرة بين يدي الفارس يقلبها بصولجانه، فيقلبك القدر كيف يشاء، إن كان النعماء
فمنك الشكر و الثناء و منه عزّ و جلّ المزيد في العطاء. كما قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
[إبراهيم: الآية 7]، و إن كان البأساء فالصبر و الموافقة منك بتوفيقه و التثبت و
النصرة و الصلاة و الرحمة منه عزّ و جلّ بفضله و كرمه كما قال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
[البقرة:
الآية 153] بنصره و تثبيته، و هو لعبده ناصر له على نفسه و هواه و
شيطانه. و قال تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [محمّد: الآية 7]
إذا نصرت اللّه في مخالفة نفسك و هواك بترك الاعتراض عليه و السخط بفعله فيك و كنت
خصما للّه على نفسك سياقا عليها كلما تحركت بكفرها و شركها حززت رأسها بصبرك و
موافقتك لربك و الطمأنينة إلى فعله و وعده و الرضا بهما كان عزّ و جلّ لك معينا و
أما الصلاة و الرحمة، فقوله عزّ و جلّ: وَ بَشِّرِ
الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
(157) [البقرة: الآيات 155- 157]. و الحالة الأخرى أنك تبتهل إلى ربك عزّ و جلّ
بالدعاء و التضرع إعظاما له و امتثالا لأمره، و فيه وضع الشيء في موضعه، لأنه
ندبك إلى سؤاله و الرجوع إليه، و جعل ذلك مستراحا و رسولا منك إليه و موصلة و
وسيلة لديه بشرط ترك التهمة و السخط عليه عند تأخير الإجابة إلى حينها، اعتبر ما
بين الحالتين و لا تكن ممن تجاوز عن حديهما، فإنه ليس هناك حالة أخرى، فاحذر أن
تكون من الظالمين المعتدين فيهلك عزّ و جلّ و لا يبالي كما أهلك من مضى من الأمم
السالفة في الدنيا بتشديد بلائه و في الآخرة بأليم عذابه.