حازوا الفضيلة الإنسانية، و لذلك سمّيناهم
إخواننا الفضلاء، و أرجو أن تكون منهم لسعيك و اجتهادك في المعارف.
فصل
اعلم، أيدك اللّه تعالى، أنّا نحب لإخواننا، أيدهم اللّه، ما يكون به
صلاح شأنهم و استقامة أمورهم في دينهم و دنياهم. و لما كان ذلك أكثر أغراضنا منهم
بسطنا لهم هذا الكتاب، و أوردنا فيه معرفة مبادئ الأعمال و الصنائع العلمية و
العملية بحسب ما قدرنا عليه بتوفيق اللّه تعالى، و الذي حملنا على ذلك هو أننا لم
نقتصر على علم واحد و صناعة واحدة، لأنّا علمنا اختلاف طبائع الناس و جواهرهم، و
ما يشتاق كل واحد منهم إليه بما يوافق طبيعته و يناسب جوهره من الصنائع و ما أوجبه
مولده له. و ذلك مثل اختلاف شهواتهم و مآكلهم و مشاربهم و جميع أحوالهم، فجعلنا في
رسائلنا هذه من مبادئ الصنائع و المعارف و العلوم ما يكون معينا للمبتدئ، و رياضة
للمتعلم، و لم ندّع فيما قلناه، و لا تعدّينا فيما وضعناه، لأن الواجب علينا و
العلماء أن نمحض النصيحة لإخواننا في المقدار الذي وصل إلينا من العلوم و
استنبطناها، و لا أنّا قد أحطنا بكليات العلوم و الصنائع بأسرها، و لأن هذه
المقدّمات التي أوردناها و العلوم التي ذكرناها نحن و المستخرجين لها من ذواتنا
إنما أخذناها من كتب الحكماء و المتقدمين ما كان منهم من الصنائع العلمية، و ما
كان من العلوم الحقيقية و الأسرار الناموسية، فمن خلفاء الأنبياء، صلوات اللّه
عليهم، و أصحابهم و التابعين لهم بإحسان. و كثير من الصنائع لم نذكرها، و كثير من
العلوم لم ننبّه إليها و لم نصل إليها و لا خطر بأوهامنا معرفة كنهها، و فوق كل ذي
علم عليم. لكنا أرشدنا إليها و أمرنا لإخواننا بالاجتهاد في الطلب و السعي في
الاكتساب لما به يكون الصلاح في معيشة الدنيا و الآخرة.