قد وقف على الصراط المستقيم «و إنه لقسم لو
تعلمون عظيم»، و إنّ ما ألقي إلى العالم من علمها كالنّقطة من البحر أو كالقطرة من
القطر، إذ كانت الدنيا بأسرها و الأرض بما عليها و فيها ببطنها و ظهرها تشبه حبة
خردل في أرض فلاة لم يدرك العقل سعة أقطارها بالقياس إلى فلك القمر الذي هو أصغر
الأفلاك كلها. و إذا كان ذلك كذلك فقد صح أن خلافة اللّه تعالى هي أمر خارج عن
تدبير السياسة البشرية أن يعرفوه، و علم خفي عنهم أن يعلموه.
و اعلم يا أخي أن البيت الذي فيه سرّ الخلافة و علم النبوة هو البيت
الذي و سموا أهله بالسّحر العظيم في الجاهلية و الإسلام لما يظهر منهم من الآيات و
يعلمونه من المعجزات، فلم يجد أعداؤهم حالا يضعون بها من منازلهم، لما عجزوا عن
العمل بمثل ما يعملونه و جهلوا العلم الذي يعلمونه، إلّا أن قالوا إنهم سحرة و إن
لهم أعوانا من الجن يمدّونهم بذلك. و هيهات حيل بينهم و بين ما يشتهون! و إن هو
إلّا علم إلهيّ و تأييد ربّانيّ تنزل به ملائكة كرام كاتبون و حفظة حاسبون يلقونه
بأمر اللّه، عزّ اسمه، على من اصطفاه من خلقه و ارتضاه بخلافته في أرضه.
و اعلم يا أخي أن حجة اللّه تعالى في خلقه و أمينه في أرضه من عالم
الحيوان هو صورة الإنسان و خليفته في أرضه على النبات و الحيوان و كذلك في
المعادن- كما قلنا في رسالة أفعال الروحانيين إن الدائرة الواسعة تظهر أبدا
أفعالها و تبيّن أفعالها فيما تحتها- و اعلم أن في الدائرة المعدنية جواهر فاضلة
شريفة و كذلك في النبات و الأشجار و ما يبدو عنها و يتكوّن منها، و كذلك في
الحيوان ملوكا و رؤساء- كما ذكرنا في رسالتنا الجامعة.
و اعلم أن في الحيوان ملوكا و رؤساء، بعضهم جائر معتد يأخذ أموره
بالقهر و الغصب و الظلم كأنواع السباع و الوحش، فهي غاية في الذم و قلّة الانتفاع
في القرب منها، بل الأولى الهرب منها و البعد عنها، و منها ملوك و رؤساء يأخذون
أمورهم بحسن الخلق و طيب النفس مثل الفرس الكريم