أن لا يقرب الشجرة التي نهاه عنها كان في
الجنة بأمر اللّه. فلما أطاع إبليس فقبل منه و أكل من الشجرة، خرج من أمر اللّه
تعالى، و صار في أمر إبليس، لعنه اللّه، و وقع في الخطيئة لأن اللّه تعالى أمره
فخالفه، و أمره إبليس فأطاعه.
فلما علم ذلك بمناداة اللّه له في تذكاره بما استوجبه من نسيان
وصيته، استرجع و تاب و أناب و لم يستكبر كما استكبر إبليس.
و كذلك إبليس أمره اللّه تعالى أن يسجد لآدم، فلما سوّلت له نفسه أنه
خير منه و امتنع من السجود، خرج من أمر اللّه، سبحانه، و صار في أمر نفسه.
و هكذا يجري أمر المستخلفين من ذرّيّة آدم في الأرض من كان منهم
مستخلفا فيها بأمر اللّه تعالى الذي استخلف به آدم بعد التوبة، و هو الأمر الثاني
و الوصية الثانية التي لم يتعدّها و لم ينسها و جعلها كلمة باقية في عقبه، و هي
خلافة النبوة و مملكة الرسالة و الإمامة. فمن تعدى هذا الأمر و خالف هذه الوصية و
طلب أن يكون خليفة اللّه تعالى ليدبّر خلقه بسعيه و حرصه فإنه لا يتمّ له، و إن
تمّ و قدر عليه فإنما هو خليفة إبليس، لأنها حيلة و مكيدة و خديعة و تعدّ و غصب و
ظلم و عدوان و خذلان و طغيان و عصيان. فإذا فعل ذلك ربطت به روحانية كوكب فلا يزال
محبوسا فيها محصورا في أحكامها حتى يموت.
و على هذا تجري أحوال الملوك و السلاطين و المتغلبين في الدنيا، و
لذلك صاروا محتاجين إلى المنجّمين و أصحاب المعارف، حتى إن بعضهم إذا وصل إلى حكيم
عالم من أهل هذه الصناعة و بلّغه ما يريده و علم أنه عارف بما يبدو منه و يظهر عنه
و من عاقبة أمره، قتله أو حبسه أو منعه من الكلام، و الأحبّ إليه قتله فلذلك صارت
العلماء لا يظهرون علومهم للملوك بأسرهم و يكتمونها عنهم، و لا يرغبون فيما
يرغّبونهم فيه من أمور الدنيا و أحوالها.
و اعلم يا أخي أن هذه الصناعة حق و يقين، و العارف بها على حقيقة
المعرفة