رئيس الكهنة من الأخذ على الأحداث، شرع في
إسماعهم السر، و ذلك أن لهم صنفين من الكلام، كلّ واحد أطول من سور القرآن الطوال:
أحدهما يسمونه سر الرجال، و الآخر يسمونه سر النساء. فسر الرجال لا يسمعه إلّا
الرجال، و سر النساء لا يسمعه إلّا النساء، و السرّان جميعا متساويان في عدد
الألفاظ و الحروف. و إن ألفاظهم جميعا إذا نثرت ثم نظمت نظاما تكون فيه كلّ كلمة
أحدهما بين لفظتين من الآخر، حدث منهما تأليفات كثيرة، و إنه يكون في جملة تلك
التأليفات أربعة تأليفات، كل واحد منها يتضمن قوانين و براهين علم من العلوم
الأربعة التي أحدها الطّبّ الذي تصحّ به الأجسام و تنفى به الأسقام و الآلام، و
يتمكّن من الانتفاع بسكنى الدار.
و الثاني علم الكيمياء الذي به يدفع الفقر و يكشف الضرّ.
و الثالث علم النجوم و أحكامها الذي به يطّلع على ما يكون قبل أن
يكون.
و الرابع علم الطّلّسمات الذي به يلحق الرعية بطبيعة الملوك، و
الملوك بطبيعة الملائكة. و الذي يمنع من كشف هذه العلوم و بذلها للجمهور من العامة
ما يتخوّف به على الخاصة، إذ كانت العامة، بما هي عليه من الضعف في الهمة و قلة
العلم و قوة الشر بسوء الأخلاق و قبح العادات، ينهمكون في الشهوات كيف كانت، و
يتناولونها من أين وجدت، و لا يراعون في ذلك رجوعا إلى دين و مروءة، و معرفة
بالواجبات و المحظورات، فيفسد بذلك الترتيب المحمود، و يخرج عن الحد المعروف، إذا
دخل العامّيّ إلى معرفة علم الكيمياء، مثلا إذا أنفق ما ينفقه فيما لا يحصل إلّا
فيما أباحته له الشريعة. و هكذا إذا علم ما لا يجوز أن يعلم من علم الطب من
الشّمومات و الخواصّ التي هي قوى الأدوية من المعادن و غيرها. فينبغي أن يصان أيضا
هذا العلم عمن لا يستحقه، و يمنع عمن ليس هو أهلا لاستعماله. فإنه إذا علم العامي
الذي تقدم ذكره