النوع الذي حظه من ذلك الخلق المقدار الذي
عليه قد مات، و يشبه أن يكون هذا المسلك عكس مسلك صاحب الفراسة، لأن هذا المسلك
يتطرّق فيه من الخلق إلى استخراج الأخلاق، و في كل جثة تحلّها و طينة تخصها، يخلط
لها النعيم بالعذاب و الألم باللذة، ليكون ذلك خدعة لها و رباطا بطول مدة تعلّقها
بها، حصلت فيه من محبسها إلى أن يستوفي منها ما حصل عليها و تفي ما لها «و ما
اللّه بظلام للعبيد».
فهذا الذي قد ذكرته كلّه و حكيته عنه من أصولهم و مقدمات علومهم في
تصحيح مذهبهم في السحر و الطلسمات. و إن كنت تركت أكثر مما ذكرت، و أسقطت أكثر مما
حكيت تجنبا للإكثار، و طلبا للاختصار، فإني تركت ذكر ما عندهم في ذلك مما يجري
مجرى ما قد ذكر في كتاب الخواص كفعل المغناطيس و غيره من الخواص، فإني تركته
لظهوره. غير أني أذكر جملة أخرى لتقف منها أيها الأخ، أيدك اللّه، على جميع
أغراضهم و تصوّر أحوالهم في مطلوبهم، و أنهم أيضا زعموا أنهم لما استقرت عندهم هذه
المقدّمات، و أنسوا بها، و طال خوضهم فيها، فرّعوها و بنوا عليها و قالوا:
فإذا كان هذا الذي تقدم ذكره مستقرّا مستمرّا، و كانت الكواكب و
النفوس المستعلية على الأجسام بهذه الحال من العلم و القدرة، و كانت هذه هي
المواتية لنا و المستعلية علينا، فإن الحاجة تضطرنا إلى التقرب إليها و التضرع لها
في إصلاح ما فسد فينا، و تسهيل ما عسر علينا، و تسديد ما عدل عن الصواب من أفكارنا
و آرائنا، ليحصل لنا بذلك أمران: أحدهما طيب العيش في الدنيا، و الثاني التمكن من
الإخلاص إلى الآخرة.
و كانوا إذا أرادوا التقرب إلى كوكب أو إلى نفس منها، عملوا الأعمال
التي قد وقع لهم أنها موافقة لطبيعته، و سألوا عند ذلك حاجتهم التي هي داخلة تحت
قدرته، و يقولون: إنهم إذا عملوا صنفا من أصناف الأعمال الطبيعية، و تقربوا بها
إلى الكوكب المراعي لها من غير تعرّض لشيء مما يتعلق على أحكام