تزيدها، و لكنها تعيدها إذا شربتها و مصّتها
بخارا، و تنشأ منها غيوم، و ينشأ منها بخار كبخار القدر و الحمّامات، و يتصاعد
الماء منها إلى الجو، و تنشأ منها غيوم و تتصاعد إلى أن تبلغ إلى دائرة الزمهرير،
و تمضي إلى الجبال و العمران- كما قلنا- و تثقل هناك و تنحدر من هناك إلى بطون
الأودية و الأنهار و إلى البحار ثانيا، كما كان في العام الأول الماضي كدولاب
يدور، ذلك تقدير العزيز العليم.
فهكذا فعل الحيوان و النبات كلّ يفعل منها بحسب ما جعل فيه مبدعه و
يسّره له خالقه، و كلها تكون من هذه الأركان و تتم و تكمل و تتكون و تبقى ما شاء
اللّه تعالى، ثم تفسد و تتلاشى و تصير ترابا كما كانت بديّا، ثم اللّه ينشئ النشأة
الأخرى كما قال تعالى: «كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين» أعاذك
اللّه أيها الأخ من الجهل و العمى.
و أما نحن فقد بذلنا مجهودنا في هداية الضالّين و إرشاد التائهين و
تنبيه الغافلين، و خاطبنا كل قوم و صنف منهم بما هو أصلح أن نخاطبهم به في
رسائلنا، و لا سيما في هذه الرسالة التي بيّنّا لهم فيها أفعال الروحانيين، و
نبهناهم على وجود الطبيعة و ظهور أفعالها في كثير من رسائلنا بما في بعضها كفاية
لمن أنصف، و لا سيما بما في رسالة السياسات، و بما خاطبنا به المتفلسفين الشاكين،
و بما قد قلنا فيما يظهر من أفعال الكواكب في هذا العالم و ما قد بيّنّا في عدّة
مذاهبهم، إلى هؤلاء منهم خصوصا نقول:
أ تراكم، أصلحكم اللّه، لم تقرءوا القرآن المنزل على لسان محمد، صلى
اللّه عليه و على آله، أو لم تسمعوا ممن يقرأه في كل وقت، إن لم تكونوا أنتم
قرأتموه، من تكرار ذكر النفس في المواضع الكثيرة منها قول اللّه، عزّ و جل: «يا
أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي»
هذا الخطاب إلى من يتوجّه أيها الجاحدون لوجود النفس جملة، المنكرون لأفعالها، أ
ترونه مخاطبة لمعدوم غير موجود، أو هو خطاب