لموجود؟ و قال، عز و جل، أيضا: «و نفس و ما
سوّاها فألهمها فجورها و تقواها، قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّاها» و قال:
«يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفّى كل نفس ما عملت». و قال، عزّ و جل: «إن
النفس لأمّارة بالسوء إلّا ما رحم ربي» و قال تعالى: «اللّه يتوفى الأنفس حين موتها
و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى»
و آيات كثيرة في القرآن في ذكر النفس و خطابها بالتأنيث، ليعلم كل عاقل أنها هي
شيء غير الجسد، لأن الجسد مذكّر لا يخاطب بالتأنيث، و كفى بهذا فرقا و بيانا بين
النفس و الجسد. و كيف يزعم هؤلاء القوم، أصلحهم اللّه، أن الإنسان هو هذا الجسد
المحسوس المشاهد الموصوف بالطول و العرض و العمق فقط لا شيء غيره، و لا موجود معه
سواه، و قد يعلم كل عاقل، إذا فكر و تأمل أمر الجسد، أنه جسم مؤلف من اللحم و الدم
و العروق و العصب و العظام و غير ذلك من الأعضاء المذكورة في كتب التشريح و ما
شاكلها، و أصله نطفة و دم الطمث ثم اللبن و الغذاء، ثم إذا حضره الموت عند مفارقة
النفس إياه بلي جسده إذا شاء اللّه كما وعد، جل ثناؤه؟
فأما النفس فهي جوهر سماوي، نورانيّة حيّة علّامة فعّالة حسّاسة
درّاكة، لا تموت بل تبقى مؤبّدة، إمّا ملتذّة و إما متألمة. فأنفس المؤمنين من
أولياء اللّه و عباده الصالحين يعرج بها بعد الموت إلى فسحة الأفلاك في روح و راحة
إلى يوم القيامة. فإذا نشرت أجسادها ردّت إليها لتحاسب و تجازى بها بالإحسان
إحسانا و بالسيئات غفرانا. و أما أنفس الكفّار و الفسّاق و الفجّار و الأشرار
فتبقى في عمائها و جهالتها معذّبة متألمة حزينة خائفة إلى يوم القيامة، ثم تردّ
إلى أجسادها التي أخرجت منها لتحاسب و تجازى بما عملت.
و الدليل على صحة ما قلنا و حقيقة ما وصفنا قول اللّه، عزّ و جل:
«النار يعرضون عليها غدوّا و عشيّا و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ
العذاب». و قال؛ عزّ و جل: «و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت