كله كجسم حيوان واحد، و جميع القوى السارية
فيه نفس واحدة، و اللّه، سبحانه، محيط به إحاطة إبداع و اختراع و خلقة و تكوين،
أوجده بعد أن لم يكن شيئا مذكورا.
فصل
اعلم أيها الأخ البار، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أنك إذا تأملت
هذه الآيات، و نظرت إلى أفعال هذه الروحانيات، و تفكرت في خلق السماوات و الأرض و
ما بينهما من الرفع و اخفض، ثم نظرت إلى هذا الهيكل المبنيّ بالحكمة، و تأملت هذه
الكتب المملوءة من العلوم، و نظرت إلى هذا الصّراط الممدود بين الجنة و النار،
رجوت لك أن ترفّق للجواز عليه لعلك أن تنتبه من نوم الغفلة و تنجو من ظلمات بحر
الهيولى، و تنفكّ من أسر الطبيعة، و ترقى إلى المحل الفاخر و المكان الطاهر، بحيث
لا يلحقك الفساد، و لا تحنّ إلى محل الأجساد.
و اعلم أيها الأخ أن الإنسان ما دام في الدنيا فلا بدّ له من أعمال
يعملها و أفعال يفعلها. و جميع ما يبديه من أعماله و يصنعه من أفعاله فإنما يظهر
من قوى نفسه الشريعة و روحه اللطيفة، فيصنع صنائع عجيبة، و يفعل أفعالا و ينظم
ألفاظا منطقيّة و خطبا لغوية. و هذه أيضا أفعال روحانية تظهر بأدوات جسمانية، و
المبدئية لها قوة نفسانية منبعثة عن النفس الكلية. فما كان منها موضوعا في موضعه
قائما في حقه فهو مشابه لأفعال الملائكة، و ما كان بالعكس من ذلك مثل فعل الخطايا
و الشرور، و قول الزور، و الغضب، و التعدي و الظلم، و الزنا و اللواطة، و ما شابه
هذه، فمشابه لفعل إبليس و الشياطين.
و قد ذكرنا في الرسالة الجامعة معرفة هذه الرتب و المنازل المحمودة و
المذمومة في مواضعها و أشخاصها، مثل الأرض و المعادن و النبات و الحيوان و
الإنسان،