الصفات، متباينون في الدرجات، و لكل منهم
جزء مقسوم و حدّ معلوم، ثم يكون كذلك حتى يكون العقل نهايتهم فيها، و السابق لهم
إليها، و المانّ عليهم بها. ثم هو من الخضوع و الخشوع و الاعتراف بالعجز و التقصير
عن الإحاطة بباريه، و بلوغ كنه ما عنده، و المعرفة ببدايته و نهايته، على غاية لا
يبلغها إلّا هو، و لا ينفرد بها سواه، و لا يشركه فيها غيره، و لذلك صار هو المعطي
للنفس الخضوع و الخشوع و الحيرة في أمر المبدع سبحانه، و لم يفض عليها من ذلك إلّا
بما فتح عليه، و ألقى إليها بحسب ما ألقي إليه، و هو الإبداع أول المفاض عليه صورة
التمام و الكمال. فإذا أفعال الروحانيين من عالم العقل و النفس إنما يعطونها بما
أمر اللّه تعالى، و هم بالقرب منه بحيث لا يصل إليهم من دونهم. و لذلك صارت
الملائكة الذين لهم من القرب منهم ما ليس لغيرهم حتى يتصل ذلك بآخرهم، و هم
الملائكة الساكنون في فلك القمر، و لهم من الأفعال و الأعمال ما يليق بهم مما ألقي
إليهم و يفاض عليهم من المواد النفسانية و القياسات العقلية بالودائع التي فيهم من
المشيئة الإلهية، ما يكون لهم به مواد النفس الجزئية، و الجواهر الجسمانية، و القوى
الطبيعية، و الأشخاص الأرضية، ليكون للحركة الأولى سابقة للمتحركة بها إلى تمام
المشيئة و بلوغ القضيّة الحتميّة الموجبة الحركة الأولى، و هذه الحركة حول قطب
الدائرة الناريّة لوصول الموجودات، فهي أبدا ينحط منها ما ينبثّ في حيز الوجود
متحرّكا ليكون شيئا معلوما، و يقول بالتحميد و التمجيد و التسبيح و التقديس و
التنزيه: إن الباري، جلّ اسمه، لا موصوف بصفات الروحانيين من حيث هم محدثون فاعلون
و منفعلون، و لا بصفة الجسمانيين المدركين بالحواس، و إنما صفته من حيث أفهامنا
أنه قديم أزلي، معلّل العلل، فاعل غير منفعل، موجد مبدع مجوهر يبدي ما يشاء و يفعل
ما يريد، كل يوم في شأن لا يشغله شأن عن شأن، و ليس هذا اليوم من أيام العالم و
إنما هو يوم من أيام الدائرة الإلهية المرتّبة في أفقها: الدائرة العقلية، منشئ
النشأة الأولى، مبدع النشأة الآخرة،