لها منه، و هو المانّ بها عليها، و هو
ملتقّى لها من فيض باريه. فلذلك قيل إن تشبّه العقل من باريه أقرب من تشبه النفس،
لأنه يتلقى جود باريه من أمره المتصل، و النفس متلقية منه ما يمدها، و نسبتها منه
أقرب من نسبته ما دونها.
ثم كذلك الأفعال المادية عن كل قوة من القوى المتصلة بكل واحد من
الموجودات و ما يتعلق به و ينسب إليه من أفعاله. فأولها الأصول التي هي أمهات
الفروع، فهي الجواهر الثانية عن الجواهر الأولى المحضة المبرّأة عن التراكيب
المؤلفة، و الجواهر الأولى المخصوصة بهذه الصفة، عالم العقل و النفس، و الجواهر
الثانية هي القوى الطبيعية و الهيولانية المخصوصة بعالم الأفلاك العالية القائمة
بحركاتها الملائكة الموكلون بها، و الفروع البادية منها الأمهات السّفليّات و الأسطقسات
الجزئيات، و الطبائع الجسمانية، و ما يبدو منها و يتكون عنها من الحيوان و النبات،
و خليفة اللّه فيها و أمينه عليها هو النفس الجزئية التي هي نفس صاحب شرع كل دور،
و هي المدبرة لها في العالم السّفلي، و هي المتحدة بالجسم المبنيّ بالحكمة
الموجودة بإتقان الصّنعة، و هي المتمّم لها امور الطبيعة من أعمالها، فهي ترتب كل
شيء من ذلك في مرتبته، و تستخرج من منفعته، و توصله إلى غايته، فهو في العالم
السفلي و المركز الأرضي خليفة اللّه و ملكه الموكّل بتدبير ما يكون في الأرض من
معادنها و نباتها و حيوانها، و هي الدائرة الثانية و فلكها ذو حركة دورية مربوطة
بها نفس جزئية متصلة بالنفس الكلية، و فيه كواكب طالعة، و أنوار لامعة، و ملائكة
بالقوة يفعلون فيه ما يؤمرون، روحانيون بذواتهم الشريفة، جسمانيون بأجسامهم
الكثيفة، و لكل ملك منهم جنود و أعوان.
و اعلم أيها الأخ أن في هذه الدائرة الإنسانية يتراءى ما يكون في
الدائرة النفسانية و الطبيعية، إذ كان الإنسان المبدع لما يكون من ذلك، و المبين
له بالقول و العمل، فالقول كالقول بحوادث الجو الفلكي و أحكام النجوم و صفة