اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، انا
نحن، جماعة إخوان الصفاء، أصفياء و أصدقاء كرام، كنا نياما في كهف أبينا آدم مدة
من الزمان تتقلب بنا تصاريف الزمان و نوائب الحدثان، حتى جاء وقت الميعاد بعد
تفرّق في البلاد في مملكة صاحب الناموس الأكبر، و شاهدنا مدينتنا الروحانية
المرتفعة في الهواء التي ذكرناها في الرسالة الثانية، و هي التي أخرج منها أبونا
آدم و زوجته و ذرّيتهما لما خدعهما عدوهما اللعين و هو إبليس و قال: «هل أدلكما
على شجرة الخلد و ملك لا يبلى؟» و اغترّا بقوله و حملهما الحرص و العجلة، فبادرا و
طلبا ما ليس لهما أن يتناولاه قبل استحقاقه في أوانه، فسقطت مرتبتهما و انحطت
درجتهما، و انكشفت عورتهما، و أخرجا هما و ذرّيّتهما جميعا، بعضهم لبعض عدو! و قيل
لهم: اهبطوا منها و لكم في الأرض مستقرّ و متاع إلى حين، فيها تحيون و فيها
تموتون، و منها تخرجون يوم البعث، إذا انتبهتم من نوم الجهالة، و استيقظتم من رقدة
الغفلة، إذا نفخ فيكم بالصور، فتنشقّ عنكم القبور، و تخرجون من الأجداث سراعا
كأنهم إلى نصب يوفضون[1].
فهل لك يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن تبادر و تركب معنا
في سفينة النجاة التي بناها أبونا نوح، 7، فتنجو من طوفان الطبيعة قبل
أن تأتي السماء بدخان مبين، و تسلم من أمواج بحر الهيولى و لا تكون من المغرقين؟
أو هل لك يا أخي أن تنظر معنا حتى ترى ملكوت السماوات التي رآها
أبونا إبراهيم لما جنّ عليه الليل حتى تكون من الموقنين؟
[1] -النصب: الشيء المنصب كالعلم و نحوه. يوفضون: يسرعون.