شاهدها الناس و لا يحسنون قراءتها، و هي
صورة أشكال الموجودات بما هي عليه الآن من تركيب الأفلاك، و أقسام البروج، و حركات
الكواكب، و أمّهات الأركان، و اختلاف جواهر المعادن، و فنون أشكال النبات، و عجائب
هياكل الحيوانات. و لنا كتاب آخر لا يشاركنا فيه غيرنا و لا يفهمه سوانا؛ و هو
معرفة جواهر النفوس و مراتب مقاماتها، و استيلاء بعضها على بعض، و افتنان قواها، و
تأثيرات أفعالها في الأجسام من الأفلاك و الكواكب، و الأركان و المعادن و النبات و
الحيوانات، و طبقات الناس من الأنبياء و الحكماء و الملوك و أتباعهم و السّوقة و
أعوانهم. فإن نشطت، أيها الأخ البارّ الرّحيم، إلى قراءة هذه الكتب أنت و إخوانك
لتعلم ما فيها و تفهم معانيها و تعرف أسرارها، فهلمّ إلى حضور مجلس إخوان لك
فضلاء، و أصدقاء لك كرام، تسمع أقاويلهم و ترى شمائلهم و تعرف سيرتهم، لعلك تتخلّق
بأخلاقهم و تتهذّب بآدابهم، فتنتبه نفسك من نوم الغفلة، و تستيقظ من رقدة الجهالة،
و ينشرح صدرك و يصفو ذهنك، و تفتح عين البصيرة من قلبك، فترى ما قد أبصروه بعيون
قلوبهم، و تشاهد ما قد عاينوه بصفاء جواهر نفوسهم، و تنظر إلى ما نظروا إليه بنور
عقولهم، و تفهم معاني هذه الكتب الأربعة كما فهموها، و تؤيّد بروح الحياة، و تعيش
عيش العلماء، و تحيا حياة الشهداء، و توفّق للصعود إلى ملكوت السماء، و تنظر إلى
الملإ الأعلى ال «حافّين من حول العرش يسبّحون بحمد ربهم و قضي بينهم بالحق و قيل
الحمد للّه رب العالمين».