مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»
فافهم هذه الاشارات و المرامي و المرموزات.
ثم اعلم أن النفس، إذا انتهبت من نوم الغفلة، و استيقظت من رقدة
الجهالة، و اجتهدت و ألقت من ذاتها القشور الجسمانية، و الغشاوة الجرمانية، و
العادات الطبيعية، و الأخلاق السّبعيّة، و الآراء الجاهلية، و صفت من درن الشهوات
الهيولانية، تخلصت و انبعثت و قامت فاستنارت عند ذلك ذاتها و أضاء جوهرها و أشرقت
أنوارها و احتدّ بصرها. فعند ذلك ترى تلك الصورة الروحانية، و تعاين تلك الجواهر
النورانية، و تشاهد تلك الأمور الخفيّة و الأسرار المكنونة التي لا يمكن إدراكها
بالحواسّ الجسمانية، و المشاعر الجرمانية، و لا يشاهدها إلّا من تخلصت نفسه بتهذيب
خلقه، إذا لم تكن مربوطة بإرادة طبيعية، و مقيدة بشهوات جسمانية يلوح فيها
فيعاينها.
فإذا عاينت تلك الأمور تعلقت بها تعلق العاشق بالمعشوق، و التزمتها
التزام الحبيب المحبوب، و اتحدت بها اتحاد النور بالنور، فتبقى معها ببقائها و
تدوم مع دوامها، و تفرح بروحها و ريحانها، و تشم بنفحتها، و تلذ بلذاتها التي عجزت
الألسن الإنسانية عن التعبير عنها، و قصّرت أوهام المتفكرين عن أن تتصورها بكنه
صفاتها كما قال اللّه تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» و قال: «فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ
وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ».