فنقول: أما اللذات الروحانية التي تجدها النفس بمجرّدها فهي نوعان:
إحداهما ما تجدها و هي مفارقة للجسد، و الثانية ما تجدها و هي مقارنة
له.
فالتي تجدها و هي مفارقة له نوعان: إحداهما ما يرد عليها من خارج كما
بيّنّا قبل هذا، و الآخر من ذاتها. و التي تجدها و هي مقارنة له فهي أربعة أنواع:
فمنها ما تجدها من اللذة و السرور و الفرح عند تصورها حقائق
الموجودات من المحسوسات و المأكولات جميعا. و الثانية ما تجدها عند اعتقادها
الآراء الصحيحة و مذاهبها الحميدة. و الثالثة مما تجدها عند عذوبة أخلاقها الكريمة
و عاداتها الجميلة. و الرابعة ما تجده من الفرح و السرور و اللذة عند ذكر أعمالها
الزكية و أفعالها الخيّرة. و هذه اللذات مشتركة بين الإنسان و بين الملائكة، و
أضدادها من الآلام، و مشتركة بين الإنسان و الشياطين كما سنبين بعد هذا الفصل.
و أما بيان ما يلحق النفوس من اللذة و الألم في اعتقاداتها و معارفها
و جهالاتها و أخلاقها و أعمالها، فاعلم أن الإنسان، إذا كانت أعماله سيئة، و
أفعاله قبيحة، فإن نفسه أبدا تكون مرتابة مرعوبة مضطربة متألمة، كما ذكر اللّه
تعالى في صفة المنافقين فقال: «يَحْسَبُونَ كُلَّ
صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ» فإذا كانت أعمالهم صالحة و أفعالهم جميلة، فإن نفوسهم أبدا تكون
ساكنة هادئة مستريحة.
و هكذا إذا كانت أخلاق الإنسان جميلة، و سجاياه سهلة، و معاملته طيبة،
و مخالطته عذبة، فإن نفسه تكون أبدا في القلوب محبوبة و من الغوائل آمنة.
و إن كانت أخلاقه شرّيّة، و طباعه وحشية، و همته سبعيّة، يكون من
يصحبه أبدا في عناء، و هو من نفسه في جهل و بلاء. فهكذا حكم الاعتقادات و الآراء،
و ذلك أن بعضها مؤلم لنفوس معتقديها و محيّر و مشكك كما