الماضية، ثم خلفتها أخرى على سننها و
منهاجها. و هكذا دأبهم إلى يوم القيامة كما قال تعالى:
«حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يسألهم ملك الموت و أعوانه «قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا
كافِرِينَ قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ
وَ الْإِنْسِ» و اخسئوا بالعذاب! و علموا أنهم كانوا ظالمين.
فعند ذلك قالت أخراهم لأولاهم، يعني أتباعهم و تلامذتهم المتأخرين، لأولاهم يعني
لرؤسائهم المتقدّمين:
«رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ
النَّارِ.» و آيات كثيرة في حق هؤلاء، و خطاب بعضهم بعضا كيف يكون في جهنم، و
هي طبقات النيران و دركاتهم.
ثم اعلم أن في آلام النفوس، لمعتقدي الآراء الفاسدة و عذاب قلوبهم،
حكمة جليلة و خصالا عدّة، فمنها أن تكون تلك الآلام و العذاب كفّارة لذنوبهم، و
تمحيصا لسيئاتهم، و أخرى أن تكون رياضة لنفوسهم، و ترقية لها من الحالات الأدون
إلى الأتمّ و الأكمل، لأن الدنيا دار رياضة و بلوى و محنة و تجربة و اعتبار، و
الأخرى أن يتبيّن لهم فضل اللّه و نعمته و رحمته و إحسانه، إذ نجاهم منها، و هداهم
إلى صراط مستقيم، كما فرض على أهل الدين دين الإسلام في كل يوم و ليلة سبع عشرة
مرة أن يقولوا: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»
إلى آخره، و كما حكي عنهم قولهم لما اهتدوا:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ
هَدانَا اللَّهُ».
ثم انظر و تأمل كيف نسبوا هم الهداية إليه، و نسب هو الخير و الثواب
و الجزاء إلى أعمالهم.