من الأشخاص الحيوانية البتّة- فإذا البقاء
بعد الفناء.
ثم اعلم أن ذكرنا هذه الحكومة في هذا الفصل هو من أجل أنه ليس من علم
بعد معرفة الباري تعالى أشرف و أجلّ و أنفع للنفوس من معرفة حقيقة أمر المعاد و
النشأة الآخرة، فليس للنفوس طريق أفضل و أجود إلى معرفة أمر المعاد من معرفتها
ذاتها و علمها بجوهرها و صفاتها اللائقة بها؛ و هو أن تعلم كل نفس بأنها جوهرة
روحانية، حيّة بذاتها، علّامة بالقوة، فعّالة بالطبع، و أنها باقية بعد مفارقة
الجسد، إما ملتذّة مسرورة فرحانة، و إما مغتمّة خاسرة، كما بيّنّا في رسائلنا و
كما ذكر اللّه تعالى في نحو من تسع مائة آية في القرآن.
فصل
و أيضا من الآراء الفاسدة، و الاعتقادات المؤلمة لنفوس معتقديها، رأي
من يرى أن بارئه و إلهه روح القدس الذي قتلته اليهود و صلبت ناسوته، و ذهب لاهوته
لما رأى ما نزل بناسوته من العذاب، فتركه مخذولا.
ثم اعلم أن هذا الرأي و الاعتقاد يكسب صاحبه غيظا على القاتل و حنقا،
و على المقتول حزنا و غمّا، ثم يبقى، طول عمره، متألمة نفسه، معذّبا قلبه، مشتهبا
للانتقام من عدوه، ثم لا يظفر بشهوته، و يموت بحسرته و غصته. و هكذا أيضا حكم من
يرى و يعتقد أن الإمام الفاضل المنتظر الهادي مختف لا يظهر من خوف المخالفين.
و اعلم أن صاحب هذا الرأي يبقى، طول عمره، منتظرا لخروج إمامه،
متمنّيا لمجيئه، مستعجلا لظهوره، ثم يفنى عمره و يموت بحسرة و غصّة لا يرى إمامه،
و لا يعرف شخصه من هو، كما ذكر الشاعر[1]:
[1] -الشاعر: دعبل الخزاعي، و قوله هذا من قصيدة له في
رثاء اهل البيت.