الفاسدة و الاعتقادات الرديئة، و منها ما هي
ملذّة لنفوس معتقديها، مفرحة لقلوبهم، و هي الآراء الصالحة و الاعتقادات الجيدة.
ثم اعلم أن الآراء الفاسدة كثيرة لا يحصى عددها، و لكن نذكر منها
طرفا ليعرف القياس بها و يحذر منها و من أمثالها. فمن ذلك رأي من رأى و اعتقد أن
العالم قديم لا صانع و لا مدبّر له، و إن هذا الرأي مؤلم لنفوس معتقديه، معذّب
لقلوبهم، و ذلك أنه لا يخلو من أن يكون صاحب هذا الرأي سعيد أهل الدنيا أو من أشقيائهم،
فإن كان من سعدائهم فإنه لا يدري من أين له هذا، و ما هو فيه، و لا يدري من أعطاه
ذلك ليشكر له، و يطلب منه المزيد، و يرجو منه خيرا مما أعطى، إمّا من الدنيا و
إمّا في الآخرة.
و قد علم يقينا أن الذي هو فيه من النعمة و رغد العيش لا يدوم له، و
أنه مفارقه على رغمه، مع شدّة محبته للبقاء فيما هو فيه من النعمة و رغد العيش، و
مع شدّة شهواته لدوام تلك النعمة عليه، كلما ذكر الموت و الفناء نغّص عليه شهواته،
و يمرّ الموت عليه لذاته، فيعيش طول عمره خائفا من الموت، و جلا من الفناء، مشفقا
من الهلاك، ثم يموت على رغم و حسرة و ندامة لا يرجو بعد الموت خيرا، و لا يؤمّل
بعد الفراق معادا و لا ثواب عمل و لا جزاء إحسان. فهذه حاله في الدنيا، فأما في
الآخرة فالحسرة و الندامة و الويل الطويل و الخسران المبين و تمنّي الرّجعة و قد
حيل بينه و بين ما يشتهي.
و إن كان من أشقيائها فهو أسوأ حالا و أمرّ عيشا و أشرّ سيرة من
غيره، و ذلك أنه يفني عمره كله بجهل و عناء و تعب و شقاء في طلب ما لم يقدّر له، و
هو لا يدري أن طلبه لا يزيد في رزقه شيئا، أو لا يدري أن الذي أعطاه ما أعطاه، و
منعه ما منعه، من هو! فيطلب منه فيسأله و يرجوه و يؤمّل منه خيرا عوضا عما فاته في
وقت آخر! فهو، بجهله بربّه، يعيش طول عمره مغتمّا حزينا ضجرا لما رأى أنه فاته ما
وجد غيره، ثم يموت بحسرة و غصّة و ندامة لا يرجو بعد الموت خيرا، و لا بعد الفراق
ثواب عمل و لا جزاء