و منهم من يرى و يعتقد أنه في السماء فوق
رءوس الخلائق جميعا. و منهم من يرى أنه فوق العرش في السماوات، و هو مطّلع على أهل
السماوات و الأرض، و ينظر إليهم، و يسمع كلامهم، و يعلم ما في ضمائرهم لا يخفى
عليه خافية من أمرهم.
و اعلم أن هذا الرأي و الاعتقاد جيّد للعامة من النساء و الصبيان و
الجهّال، و من لا يعلم شيئا من العلوم الرياضية و الطبيعية و العقلية و الإلهية،
لأنهم إذا اعتقدوا فيه هذا الرأي تيقنوا عند ذلك وجوده، و تحققوا و علموا وصاياه
التي جاءت بها الأنبياء، :، من الأوامر و النواهي، و علموا علمها و عملوا
بها خوفا و رجاء من الوعد و الوعيد، و تجنبوا الزور و الشرور، و عملوا الخير و
المعروف، و كان في ذلك صلاح لهم و لمن يعاملهم و يعاشرهم من الخاص و العام، و ليس
يضرّ اللّه شيئا مما اعتقدوه.
و من الناس طائفة أخرى فوق هؤلاء في العلوم و المعارف ترى بأن هذا الرأي
باطل، و لا ينبغي أن يعتقدوا في اللّه تعالى أنه شخص يحويه مكان، بل هو صورة
روحانية سارية في جميع الموجودات، حيث ما كان لا يحويه مكان و لا زمان، و لا يناله
حسّ و لا تغيير و لا حدثان، و هو لا يخفى عليه من أمر خلقه ذرّة في الأرضين و
السماوات، يعلمها و يراها و يشاهدها في حال وجودها، و كان يعلمها قبل كونها و بعد
فنائها.
و من الناس طائفة أخرى فوق هؤلاء في العلوم و المعارف و العقل ترى و
تعتقد أنه ليس بذي صورة، لأن الصورة لا تقوم إلّا في الهيولى، بل ترى أنه نور بسيط
من الأنوار الروحانية «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ».
و من الناس ممن فوق هؤلاء في العلوم و المعارف و النظر و المشاهد يرى
و يعتقد أنه ليس بشخص و لا صورة بل هويّة وحدانيّة، ذو قوة واحدة و أفعال كثيرة و
صنائع عجيبة، لا يعلم أحد من خلقه ما هو، و أين هو،