طلبه. فانظر يا أخي أولا بعقلك، و ميّز
ببصرك، و اختر من العلوم و الآداب ما لا بد لك منه، كما تختار من الأعمال و
الصنائع و التجارات ما لا بد لك منها.
ثم اعلم أن الناس على طبقات كثيرة في أحوالهم من الصنائع و الأعمال و
الأخلاق و الآراء و المذاهب و العلوم و المعارف، لا يحصى عددها، و لكن يحصرهم
كلّهم ثلاث طبقات: فمنهم العامة من النساء و الصبيان و الجهال، و منهم الخاصة من
العلماء و الحكماء البالغين فيها الراسخين، و منهم متوسطون بين ذلك. و لكل طائفة
من هؤلاء علم هو أولى بهم و أليق: فالتي تصلح للخاصة لا تصلح للعامة، و التي تصلح
للعامة لا تصلح للخاصة، و لكن الذي يصلح للخاصّ و العام و ما بينهما من سائر
الطبقات جميعا من العلوم و المعارف و الآداب هو علم الدين و آدابه و ما يتعلق به
من الأعمال.
فصل
ثم اعلم، أيّدك اللّه، أن علم الدين و آدابه و ما يتعلق به نوعان:
فمنها ظاهر جليّ، و منها ما هو باطن خفي، و منها ما هو بين ذلك. و أولى ما يصلح
للعامة من حكم الدين و آدابه ما كان ظاهرا جليّا مكشوفا، مثل علم الصلاة و الصوم و
الزّكاة و الصدقات و القراءة و التسبيح و التهليل و علم العبادات؛ و مثل علم
الأخبار و الروايات و القصص، و ما شاكلها تعليما و تسليما و إيمانا.
و أولى علوم الدين بالمتوسّطين بين الخاصة و العامة هو التفقّه في
أحكامها، و البحث عن السّيرة العادلة، و النظر في معاني الألفاظ، مثل التفسير و
التنزيل و التأويل، و النظر في المحكمات و المتشابهات، و طلب الحجة و البرهان، و
أن لا يرضى من الدين تقليدا، إذا كان يمكنه الاجتهاد و دقّة النظر.
و الذي يصلح للخواص البالغين في الحكمة، الراسخين في العلوم من علم