استعملوه. و ذلك أنهم نظروا في هذه الهيولى
كنظرهم في هيولى الصّناعة، و هيولى الطبيعة، و هيولى الكلّ، فقاسوا بها، و من
هاهنا انحرفوا عن الصواب و أخطئوا القياس! و ما مثلهم في ذلك إلّا كمثل أولئك
الصبيان الأغبياء الذين ذكرناهم في رسالة المعارف، و ذلك أن هيولى الصناعة مصنوع
الطبيعة، فهي شيء موجود، و هيولى النفس هو مصنوع الباري تعالى مبدع مخترع لا من
شيء آخر، فلو أنهم سلكوا في البحث عن حدوث العالم مسلك الفلاسفة الربّانيين لما
اختلفوا، و ذلك أن هؤلاء الحكماء الرّبّانيين، لما أرادوا البحث عن حدوث العالم و
الهيولى الأولى، ابتدءوا أولا بالفكر في الأمور الرياضية فأحكموها، ثم بحثوا عن
الأمور الطبيعية فعرفوها معرفة صحيحة، ثم تفكروا في الأمور الإلهية و بحثوا عن
حدوث العالم و حدوث الهيولى كيف كان، فأدركوا ما طلبوا، و فهموا ما أدركوا، و
تصوّروا ما بحثوا عنه، و بحثوا عما تصوّر لهم، و سكنت نفوسهم إلى ذلك. و نحن قد
بيّنّا طرفا من ذلك في رسالة المبادي العقلية.
فصل في بيان أقاويل العلماء في ماهية الهيولي
فنقول: اعلم أن القائلين في ماهيّة الهيولى و حدوثها مختلفون في
ماهيّتها و كيفية حدوث الأجسام منها، و هذا الخلاف هو من إحدى أمهات الآراء و
المذاهب المفرعة عنها. و ذلك أن منهم من يرى و يعتقد أنها أجزاء صغار لا تتجزأ،
فإن ألّفت ضربا من التأليف كانت منها الأجسام المختلفة الأشكال، كما ذكرنا في
رسالة الهندسة الحسيّة، فإنها مختلفة الكيفيّات يعنون أن منها أجزاء ناريّة، و
أجزاء ترابية، و أجزاء هوائية، فإذا اختلطت ضروبا من الاختلاط، كانت منها
الموّلدات الكائنات من المعادن و النبات و الحيوان