و الأوج، و الحضيض، و الجيب، و الميل، و
العرض، و الطول، و ما توصف به البروج من الأوصاف المختلفة، و ما توصف به الأقاليم
السبعة و أحوالها في الطول و العرض، و اختلاف الليل و النهار فيها، و ما شاكل هذه
المباحث، فإنهم في معرفتها متفاوتو الدرجات، كلّ ذلك بحسب تفاوت قوى نفوسهم، و
جودة بحثهم عنها، و دقة معرفتهم فيها، و شدة تأمّلهم لها.
و أيضا حكم صناعة التأليف الذي يسمى الموسيقى فإن الأصل المتفق عليه
بين أهلها هو معرفتهم بالنّسب التي هي العددية و الهندسية و التأليفية: و ذلك أن
كل مصنوع مركّب من أشياء مختلفة، لأنه لا يخلو تركيب أجزائه و تأليف بنيته من إحدى
هذه الثلاث، فما كان منها تأليفه على النّسبة الأفضل، فإنه يكون أحكم إتقانا، و
أجود هنداما، و أحسن نظاما؛ و ما كان على النسبة الأدون فهو بخلاف ذلك؛ و ما كان
بينهما فهو متوسط.
و الناظرون في هذا العلم و الصناعة هم في معرفته متفاوتو الدرجات
بحسب تفاوت قوى نفوسهم، و جودة قرائحهم، و صفاء أذهانهم، و كثرة رياضاتهم، و طول
دربتهم، و نظرهم و بحثهم عنها و تأمّلهم لها.
و هكذا أيضا حكم علم الطبيعيات يعني بها الأجسام و ما يعرض فيها من
الأعراض المتفننة، و ما يوصف بها من الصفات المختلفة، و هي كثيرة الفنون و لكل فن
منها أصول، و لها فروع، و لكن الأصل الأول فيها كلها المتفق عليه بين أهلها هو
معرفة خمسة أشياء، و هي الهيولى و الصورة و المكان و الزمان و الحركة، لأن هذه
الأشياء الخمسة محتوية على كل جسم، فلكيّا كان ذلك الجسم أو ما دونه من الأركان.
فأما الذي يتفرّع من هذا الأصل فنوعان: أحدهما عالم السماوات و الأفلاك، و الآخر
عالم الكون و الفساد الذي هو تحت فلك القمر، و الأصل المتفق عليه بين أهل هذا
العلم هو معرفتهم بأن حكم العالم بجميع أفلاكه و طبقات سماواته و القوى السارية
فيها تجري مجرى جسم إنسان واحد و حيوان واحد يتحرّك عن محرّك واحد