يستوجبون به المزيد، كما قال اللّه تعالى: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» فبهذا
الوجه و الاعتبار صاروا هم رحمة للأغنياء و موعظة لمن كان معافى. و خصلة أخرى أيضا
أن أهل الدين و من يؤمن بالآخرة، إذا نظروا إلى هؤلاء و اعتبروا أحوالهم، يزدادون
يقينا من الآخرة، و يعلم كل عاقل أن من بعد هذه الحياة الدنيا دارا أخرى يجازى بها
هؤلاء المبتلون بما صبروا على مصائبهم من أمور الدنيا، كما قال تعالى: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ».
ثم اعلم أن لهذه الطائفة- أعني الفقراء و أهل البلوى- فضائل كثيرة، و
للّه تعالى في إيجادهم حكمة جليلة تخفى على كثير من العقلاء و المترفّهين من أبناء
الدنيا: فمنها أنهم أشد الناس يقينا بالآخرة من غيرهم من المترفين. و أنهم أسرع
الناس إجابة لدعوة الأنبياء، :، من غيرهم من المترفين من أرباب النّعم
و الأغنياء. و أنهم أخف مؤنة، و أقل حوائج، و أقنع باليسير، و أرضى بالقليل من
غيرهم من الناس. و أنهم أكثر ذكرا للّه تعالى في السر و العلانية، و أرق قلوبا في
الفكرة و التذكّر، و أخلص في الدعاء للّه في السّرّاء و الضرّاء. و خصال أخر كثيرة
لو عددناها لطال الكلام و يخرج بنا عما نحن فيه.
و إنما ذكرنا طرفا من فضائلهم لأن كثيرا من العقلاء المترفين، إذا
نظروا إليهم يظنون بالله ظنّ السوء: فمنهم من يرى أن الذي نالهم من ذلك من سوء
اختيارهم و شؤمهم و خذلانهم. و منهم من يرى أن الصواب لو أنهم لم يخلقوا لكان ذلك
خيرا لهم. و منهم من يرى أنهم معاقبون بما سلف منهم في الأدوار الماضية من الذنوب.
و هذا رأي أصحاب التناسخ. و منهم من يرى أن اللّه تعالى ليس يفكّر بهم و لا يهمه
أمرهم، و إلا كان قادرا على أن يغنيهم أو يميتهم و يريحهم مما هم فيه من الجهد و
البلوى. و منهم من يرى أن هذا ليس يجري بعلم عالم أو حكم حكيم، بل هو بحسب سوء
اتفاق رديء.