فنقول: اعلم أن للقوة المفكّرة خواصّ كثيرة، و أفعالا عجيبة تستغرق
فيها أفعال هذه القوة المتخيّلة، و أفعال سائر القوى الحسّاسة الدرّاكة، و ذلك أن
أفعال هذه القوة نوعان: فمنها ما يخصّها بمجرّدها، و منها ما تشترك فيه مع قوة
أخرى من قوى النفس. فمن ذلك الصنائع، فإن أكثرها أفعال مشتركة بين هذه القوة
المفكّرة التي آلتها وسط الدماغ، و بين القوة الصّناعية التي آلتها اليدان. و منها
الكلام و الأقاويل و اللغات أجمع، فإنها أفعال مشتركة بين هذه القوة، و بين القوة
الناطقة التي آلتها اللسان. و منها تناول رسوم المحسوسات المتخيّلات، فإنها أفعال
مشتركة بين هذه و بين المتخيّلة التي آلتها مقدّم الدماغ. و منها تناول رسوم
المعلومات المحفوظة، فإنها المشتركة بين هذه و بين القوة الحافظة التي آلتها مؤخّر
الدّماغ.
و أما الأفعال التي تخصّها بمجرّدها فهي الفكر و الرويّة، و التمييز،
و التصوّر، و الاعتبار، و التركيب، و التحليل، و الجمع، و القياس البرهاني. و لها
أيضا الفراسة، و الزّجر، و التّكهين، و الخواطر، و الإلهام، و الوحي، و رؤية
المنامات و تأويلها.
أما بيان ذلك فنقول: إن الإنسان بالتفكّر يستخرج غوامض العلوم
بالرويّة، و يمكن له تدبير الملك و السياسة، و بالاعتبار يعرف الأمور الماضية مع
الزمان، و بالتصور يدرك حقائق الأشياء، و بالتركيب يستخرج الصنائع، و بالتحليل
يعرف الجواهر البسيطة و المركبة، و بالجمع يعرف الأنواع و الأجناس، و بالقياس يدرك
الأمور الغامضة الغائبة بالزمان و المكان، و بالفراسة يعرف ما في الطبائع، و
بالزجر يعرف الحوادث و تصاريف الأحوال، و بالتكهين يعرف الكائنات بموجبات الأحكام
الفلكيات، و بالمنامات و تأويلها يعرف الكائنات و البشارات و الإنذارات، و بقبول
الوحي و الإلهام