فيتألم، لأن حاسّة اللمس أعمّ الحواس. ثم
يحس بالطعم فيميّز لبن امه من غيره. ثم يميّز بين الروائح، فيعرف الشمّ. ثم يميّز
بين الصوت الشديد الجهير، و بين الصوت الضعيف الخفيف. ثم يفرّق بين الصور. ثم
يميّز على ممر الأوقات بين نغمة الأم و نغمة الأب و الإخوة و الأخوات و الأقرباء و
غيرهم. ثم شيئا بعد شيء، على التدريج، و على هذا المثال فهمه و معرفته بسائر
الحواسّ و محسوساتها، إلى أن تتمّ سن التربية، و يغلق باب الرضاع، و يفتح الكلام و
النّطق. ثم بعد ذلك تجيء أيام الكتابة و القراءة، و الآداب، و الصنائع، و
الرياضيات، و سماع الأخبار و الروايات، و الفقه في الدين، و النظر في العلوم و
المعارف، و طلب حقائق الموجودات، و البحث عن الكائنات، و الاستدلال بالحاضرات على
الغائبات، و المحسوسات على المعقولات، و بالجسمانيات على الروحانيات، و بالرياضيات
على الطبيعيات، و بالطبيعيات على الإلهيّات التي هي الغاية القصوى في العلوم و
المعارف، و السعادة الأبدية و الدوام السرمدي. بلّغك اللّه و إيانا إلى هذه
الغاية، و شرح صدرك، و فتح قلبك، و نوّر فهمك، و صفّى نفسك، و حسّن أخلاقك، و أصلح
شأنك، و زكّى أعمالك، و أنعم بالك، و أكرمك مما أنعم به على أوليائه و أنبيائه بما
علّمهم من البيان و الكتاب، كما قال تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا».