أخواتها التي لها بالذات. مثال ذلك البصر
فإنه لا يدرك الأصوات و لا الروائح و لا الطعوم، و هكذا أخواتها، و لكن بما تشترك
في المحسوسات اللاتي لهن بطريق العرض مثل الحركة، فإنها تدرك و تعلم بالبصر و
اللمس و السمع جميعا.
فصل في بيان زيادة القوى التي في حواس الإنسان
فنقول: اعلم أن اللّه تعالى خلق في حواسّ الإنسان زيادة قوة، و جودة
تمييز، ما لم يجعل في حواسّ سائر الحيوانات، و بخاصّة في القوة اللامسة فضّله
عليها، و كرّمه بها، كما جعل في قوة يديه من الصنائع العجيبة، و في قوة لسانه من
اللغات المختلفة، ما لم يجعل في أيديها و لا في ألسنتها، كما هو بيّن ظاهر جليّ لا
يخفى على أحد من العقلاء. و قد يظن كثير من الناس العقلاء أن بعض الحيوانات يفهم
معاني الكلام و يمتثل الأمر و النهي، و لكن لا يقدر على الكلام كمثل الفيل، و
الفرس الجواد، و الجمل، و الغنم، و البقر، و الكلب، و السّنّور، و القردة، و الببغاء،
و أمثالها من الحيوانات المسخّرة للإنسان، المستأنسة به، المنقادة لخدمته. و لعمري
إنها تفهم معاني بعض الكلام، كالزّجر و الأمر و النّداء، و ما شاكلها التي هي بعض
أقسام الكلام. فأما أن تفهم معاني الخبر و السؤال و الجواب و الاستفهام فلا. و قد
بيّنّا علة ذلك في رسالة الحيوانات.
ثم اعلم أن الإنسان مع استماعه الأصوات، و تمييزه بالنغمات، يفهم
معاني اللغات و الأقاويل و الكلمات، كما أنه، عند نظره إلى الخطوط و الكتاب، يفهم
ما يتضمّنها من معاني الكلام و العبارات، ما لا يفهم عليها غيره من الحيوانات