فأما علة رؤية الأشياء حمرا فلشيئين: أحدهما
الأسباب المعفّنات، و الآخر الأسباب المذوّبات، فالمعفّنات لكثرة الرطوبة، و
المذوّبات لكثرة الحرارة، كالشمس تراها حمراء، عند كثرة البخارات الصاعدة إليها من
جملة المياه و الرطوبات، و عند النّضج و الإزهار و الثّمار تؤدي من شدة الحرارة
المذوّبة. فقد تبين بهذا أن البصر إذا رأى النور من وراء الأجسام المشفّة و غلبها
أحد الأسباب الثلاثة رآها حمراء.
و أما الخضرة فهي من أجل غلبة الرطوبة الأرضيّة على النور، و منع
البصر إياها، أو منع النور أن يصير إلى البصر صرفا.
و أما السواد فهو منع الرطوبة الأرضية وصول النور إلى البصر، أو منع
البصر الوصول إلى النور، لأن السواد يجمع البصر، و البياض يفرّقه.
و كل الألوان الباقية متوسّطة بين هذين الطرفين، و فعلها في البصر
بحسب غلبة أحد هذين عليها.
و الطعوم تسعة أنواع: و هي العفوصة و القبوضة و الحموضة و الحلاوة و
الملاحة و المرارة و الحرافة و العذوبة و الدّسومة. و الحلاوة تجعل اللسان أملس. و
المرارة تجعل أجزاءه متفرقة خشنة. و الحرّيف يزيد في ذلك.
و المالح يفرّق و يجفّف. و العفوصة تجمع و تقبض. و الحموضة تفرّق و
تقبض.
ثم اعلم أيها الأخ بأنك قاصد إلى ربك منذ خلقت نطفة في الرحم، و ربطت
بها نفسك، تنقل كل يوم من حالة هي أدون إلى حالة أتمّ و أكمل و أشرف؛ و من مرتبة
هي أنقص إلى مرتبة أخرى هي أعلى و أشرف، و إلى منزلة هي أرفع، إلى أن تلقى ربك و
تشاهده، و يوفّيك حسابك، و تبقى عنده نفسك ملتذّة فرحانة، مسرورة مخلّدة أبد
الآبدين، و دهر الداهرين، مع النبيين و الصّدّيقين، و الشهداء و الصالحين، و حسن
أولئك رفيقا. وفّقك