يعرض لها عند الذبح و القتل و الموت و
الأمراض، فلم يجعل ذلك الباري تعذيبا لنفوسها، و لا عقوبة ساقها لها- كما ظنّ ذلك
أهل التناسخ- بل جعل ذلك حثّا لنفوسها على حفظ أجسادها من الآفات العارضة لها إلى
أجل معلوم. و إذا لم يكن كذلك لتهاونت النفس بالأجساد و تركتها لهذه الآفات، و
أسلمتها إلى المهالك و التّلف، و كانت تهلك جميعا قبل مجيء آجالها و فناء أعمارها
و قبل تمامها و كمالها. و إذا قيل: ما العلة في محبة الحيوانات الحياة و كراهيتها
الموت؟ قيل:
ذلك لعلل شتى و أسباب عدة، أحدها أن الحياة تشبه البقاء، و الموت
يشبه الفناء، و البقاء محبوب في جبلة الخلائق كلها، إذ كان البقاء قرين الوجود، و
الفناء قرين العدم. و العدم و الوجود متقابلان، و اللّه لما كان هو علة الموجودات،
و هو باق أبدا، صارت الموجودات كلّها تحب البقاء و تشتاق إليه. فمن أجل هذا قالت
الحكماء إن اللّه هو المعشوق الأول، المشتاق إليه سائر الخلائق.
و علة أخرى لكراهية نفوس الحيوانات الموت، و هو ما يلحقها من الآلام
و الأوجاع و الفزع عند مفارقة نفوسها أجسادها. و علة أخرى أن نفوسها لا تدري أن
لها وجودا خلوا من الأجساد. فإن قيل: فلم لا تدري نفوسها أن لها وجودا خلوا من
الأجسام؟ قلنا: لأنه لا يصلح لها أن تعلم هذه المعاني، لأنها لو علمت، لفارقت
أجسادها قبل أن تتم و تكمل، و إذا فارقت أجسادها قبل ذلك، بقيت فارغة عطلاء بلا فعل
و لا عمل. و ليس من الحكمة أن يكون كذلك، إذ كانت علتها التي هي خالقها لم تخل من
تدبير، ليكون فارغا بلا فعل البتّة، بل كل يوم هو في شأن.