أن علّة اختلاف الموصوفات هي من أجل اختلاف
الصفات، و أما اختلاف الصفات فهي لأنفسها، لأن اللّه تعالى أبدعها مختلفة بأعيانها
لا لعلّة فيها.
و المثال في ذلك اختلاف حال الأسود و الأبيض، فإنه من أجل اختلاف
السواد و البياض في ذاتيهما لا لعلة أخرى. فمن ظن أن السواد و البياض لهما علة
أخرى تمادى إلى غير النهاية! و ذلك أن الأسود هو موصوف، و إنما كان أسود لكون
السواد فيه، فهكذا الأبيض إنما كان أبيض لكون البياض فيه.
فأما السواد و البياض فإنهما في أنفسهما مختلفان، لا لصنعة فيهما بل
بذاتيهما مختلفان، لأن اللّه تعالى أبدعهما هكذا مختلفي الذاتين. فهذا معنى قول
الحكماء: إن السواد سواد لنفسه لا لصفة فيه، و لم يريدوا أن السواد ليس بجعل جاعل
و لا بصنع صانع، كما توهم كثير من الناس الذين هم غير مرتاضين بالحكمة و لا
متحقّقين بالشريعة.
ثم اعلم أن العجز هو أحد الأسباب التي تعوق الفاعل عن إظهار أفعاله،
و الصانع عن إحكام صنعه، و لكن ربما يكون من الفاعل لضعف قوته و لقلّة معرفته، و
ربما كان من عدم الأدوات و الآلات التي يحتاج إليها الصانع في إحكام صنعته، أو من
عدم المكان و الزمان و الحركات و ما شاكلها، أو ربما يكون العجز من قبل الهيولى و
عسر قبولها الصورة من الصانع الحكيم.
مثال ذلك تعسّر قبول الحديد من الحدّاد أن يفتل من الحديد البارد
حبلا طويلا كما يفتل الحبال من القنّب، فليس العجز من الحدّاد و لكن من الحديد
لعسر قبوله للفتل. و مثل الهواء لا يقبل كتابة الكاتب فيه لسيلان عنصره.
و مثل النجّار لا يقدر أن يعمل سلّما يبلغ السماء لعدم الخشب، لا
لعجز فيه. و مثل رجل حكيم لا يقدر أن يعلّم الطفل لا لعجز في الحكيم، بل لأن الطفل
غير مستعدّ لقبول ذلك في حال الطفولية. و على هذا القياس يوجد العجز من الهيولى و
عسر قبولها للصور، لا لعجز في الصانع الحكيم.
ثم اعلم أن كثيرا من العلماء لا يعرفون كيفيّة العجز من الهيولى و لا