في ذلك حرارة النار فإنها تفيض منها على ما
حولها من الأجسام، من التسخين و الحرارة، و هي جوهريّة النار التي هي صورتها
المقوّمة لها، و هكذا أيضا يفيض من الماء الترطيب و البلل على الأجسام المجاورة
له. و الرطوبة جوهرية في الماء، و هي صورة مقوّمة لذاته، و هكذا أيضا يفيض من
الشمس النور و الضياء على الأفلاك و الهواء، لأن النور جوهريّ في الشمس، و هي
صورته المقوّمة لذاته. و هكذا أيضا تفيض من النفس الحياة على الأجسام، لأن الحياة
جوهريّة لها، و هي الصورة المقوّمة لذاتها.
فصل
ثم اعلم أنه ما دام الفيض من الفائض يكون متواترا متّصلا، دام ذلك
المفاض عليه، و متى لم يتواتر متّصلا، عدم و بطل وجوده، لأنه يضمحل الأول فالأول.
و المثال في ذلك الضوء في الهواء، إذا تواتر البرق و اتصل، بقى الهواء مضيئا مثل
النهار، لأن الشمس تفيض الفيض منها على الهواء متواترا متصلا، فإذا حجز بينهما حاجز،
عدم ذلك الضوء من الهواء، لأنه يضمحل ساعة ساعة، و لا يتواتر الفيض عليه. و هكذا
الحياة من النفس على الأجسام ما دامت متصلة متواترة، تدوم الحياة، فإذا فارقت
النفس الجسد، بطلت حياة الجسد من ساعته و اضمحلت. و هكذا حكم وجود العالم و بقائه
من الباري تعالى، فما دام الفيض و الجود و العطاء متواترا متصلا، دام وجود العالم
من اللّه تعالى.
و اعلم أن أكثر العقلاء يظنون و يتوهمون أن وجود العالم من اللّه
تعالى كوجود الدار المبنية من البناء، المستقلة بذاتها، المستغنية عن البنّاء بعد
بنائه، و ليس الأمر كما ظنوا و توهّموا، لأن بناء الدار تركيب و تأليف من أشياء هي
موجودة بأعيانها، قائمة بذواتها، كالتراب و الماء و الحجارة و الآجرّ