و معدود، فإذا ارتفع الواحد من كل الموجود
توهّمنا ارتفاع العدد كلّه، و إذا ارتفع العدد فلم يرتفع الواحد، كذلك لو لم يكن
الباري لم يكن شيء موجودا أصلا. و إذا بطلت الأشياء لا يبطل هو ببطلان الأشياء. و
من الموجودات ما هو أقرب إلى الباري تعالى رتبة و منزلة و هو العقل، كما أن من
الأعداد ما هو أقرب إلى الواحد رتبة و نسبة و هو الاثنان، ثم الثلاثة، ثم الأربعة،
ثم ما زاد بالغا ما بلغ. فهكذا حكم الموجودات من اللّه تعالى مرتّبة و منتظمة
كترتيب العدد و نظامه، كما بيّنّا في رسالة العدد، و في رسالة المبادي العقليّة.
ثم اعلم أن كثيرا ممن ينظرون و يتفكرون في مبادئ الأمور، يظنون و
يتوهّمون بأن المعلومات في علم اللّه لم تزل مثل صور المصنوعات في أنفس الصّنّاع
قبل إخراجهم لها و وضعهم إيّاها في الهيولى المعروفة في صنائعهم، أو مثل صورة
المعقولات في أنفس العقلاء و تصوّرهم لها، و ليس الأمر كما ظنّوا و توهموا، بل مثل
كون العدد في الواحد كما بيّنّا قبل، لأن صورة المصنوعات حصلت في أنفس الصّنّاع
بعد النظر منهم في مصنوعات أستاذيهم، و التأمّل لها، و التفكّر فيها، و الاعتبار
لها. و التي في أنفس أستاذيهم الذين أبدعوا الصناعات و اخترعوها حصلت في نفوسهم
بعد النظر منهم إلى المصنوعات الطبيعية، و التأمّل لها، و التفكّر فيها، و هكذا
حكم صورة المعقولات في أنفس العقلاء حصلت فيها بعد النظر إلى المحسوسات، و تأمّلهم
لها، و الفكر منهم فيها، و ليس حكم اللّه تعالى كذلك، بل علمه من ذاته، كما أن
العدد من ذات الواحد. و المثال ينبغي أن يكون مطابقا لما يمثّل به في أكثر المعاني
لا في أقلّها. فمثال الباري تعالى بالواحد في نسبته إلى المبروزات بالأعداد أكثر
مطابقة له من غيرها من المثالات.
ثم اعلم أن كلّ موجود تامّ فإنه يفيض منه على ما دونه فيض ما، و أن
ذلك الفيض هو من جوهره، أعني صورته المقوّمة التي هي ذاته. و المثال