فسّروا الأعضاء الإلهية، و فسروا الكلام
بالنّطق و الحروف، و بالنزول الانتقال من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، و غير
ذلك من الآيات التي لا يعرف تأويلها إلّا اللّه و الراسخون في العلم، و هؤلاء هم
الذين يعلمون و يعرفون تأويل آياته و أسراره، و يقولون: آمنّا به، كلّ من عند
ربنا، فهذا قول الحكماء الرّبّانيين و العلماء المتفلسفين.
ثم اعلم أن لفظ الفيلسوف عند اليونانيين معناه الحكيم، و الفلسفة
تسمّى الحكمة، و الحكيم هو الذي أفعاله تكون محكمة، و صناعته متقنة، و أقاويله
صادقة، و أخلاقه جميلة، و آراؤه صحيحة، و أعماله زكيّة، و علومه حقيقية، و هي
معرفة حقائق الأشياء و كمّيّة أجناسها، و أنواع تلك الأجناس و خواصّ تلك الأنواع
واحدا واحدا، و البحث عن عللها، هل هي، و ما هي، و كم هي، و أيّ شيء هي، و كيف
هي، و أين هي، و متى هي، و لم كانت، و من هي؟ و يحسن أن يسأل عن هذه الوجوه أو
يجيب عنها إذا سئل؛ و يفهم معانيها إذا فكر فيها و بحث عنها، كما قلنا في رسالة
أجناس العلوم.
ثم اعلم أن أصعب الأجوبة عن هذه السؤالات التسعة جواب اللّمّيّة، لأنه
سؤال عن العلل، و العلل كثيرة دقيقة، غامضة، تحتاج إلى بحث شديد، و فهم صادق، و
نفس زكيّة، و نظر دقيق.
ثم اعلم أن المباحث و المطالب في معرفة حقائق الأشياء تسعة أنواع:
أولها هل هو؟ و الثاني ما هو؟ و الثالث لم هو؟ و الرابع كم هو؟ و الخامس أيّ شيء
هو؟ و السادس كيف هو؟ و السابع أين هو؟ و الثامن متى هو؟ و التاسع من هو؟ و لكل
سؤال من هذه السؤالات جواب خاص لا يشبه الآخر؛ فمن يتعاطى معرفة حقائق الأشياء، و
يخبر عن عللها و أسبابها، يحتاج إلى أن يكون قد عرف هذه المباحث التسعة، و الجواب
عن هذه السؤالات، واحدة واحدة بحقها و صدقها.