الرسالة التاسعة من النفسانيات العقليات
في العلل و المعلولات (و هي الرسالة الأربعون من رسائل إخوان الصفاء)
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه و سلام على عباده الذين اصطفى،
آللّه خير أمّا يشركون؟
اعلم أيها الأخ أنّا قد فرغنا من بيان كمّيّة أجناس الحركات، و
كيفيّة اختلافها، و أشرنا في ذلك أن العالم محدث مصنوع. و نريد الآن أن نذكر في
هذه الرسالة بيان العلل و المعلولات فنقول:
إن نعمة اللّه تعالى على عباده جمّة لا تفنى، و مواهبه كثيرة لا
تحصى، و لكن يتفاضل بعضها بعضا بحسب جزالتها و غزارتها. فمن مواهب اللّه الجزيلة و
عطاياه الجميلة لبعض عباده، التي خصّ بها قوما دون قوم، هي الحكمة البالغة كما ذكر
بقوله: «وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» يعني به علم القرآن خاصّة، و تفسير آياته و معاني أسراره و إشاراته
اللطيفة التي لا يمسّها إلّا المطهّرون من العيوب و الذنوب و الكذب في حق اللّه و
آياته، حيث يفسّر قوم آيات اللّه على خلاف ما هو معناه، كما فسروا الاستواء
بالجلوس و التمكّن على العرش، و الرؤية بالنظر إلى الجسم المشار إليه، و بالسمع و
البصر