و الشتاء و الصيف الموجودات في الأوقات في
بلدان شتى، يتعاقب على بقاع الأرض من كل جانب، و النبات و الحيوان و المعادن في
الكون و الفساد متصل لا ينقطع، و السّفاد و النّكاح و التّوالد و الحسّ و الحركة و
النوم و اليقظة و الموت و الحياة متّصلة في الخليقة! و ما في الأرض موضع شبر إلّا
و هناك معدن أو نبات أو حيوان، قلّ أم كثر، صغر أم كبر، مختلف الأجناس و الأنواع و
الأشخاص و الأشكال و الصّور و الطباع و المزاج و الأخلاق و الألوان و الأصوات، لا
يعلم أحد كنهها و كثرتها و تفصيلها إلّا اللّه تعالى الذي خلقها و صوّرها و دبّرها
كما شاء و كيف شاء، فتبارك اللّه رب العالمين! و إذا تأملت يا أخي و اعتبرت ما
وصفنا من أحوال الحركات و المتحرّكات التي في العالم، علمت و تبيّن لك أن حكم
العالم بجميع أجزائه و مجاري أموره، تجري مجرى مدينة واحدة، أو حيوان واحد، أو
إنسان واحد، لا ينفكّ من الحركة و السكون، إما بكلّيته أو بجزئيّته.
و قد بيّنّا، في رسالة ماهيّة الطبيعة، و رسالة السماء و العالم، أن
سبب حركات الأركان و مولّداتها هو حركات الكواكب، و سبب حركات الكواكب دوران
الأفلاك، و المحرّك و المدبّر للأفلاك هي النفس الكليّة الفلكيّة، فإن النفس
الكليّة الفلكية هي ملك من الملائكة المقرّبين و جنوده و أعوانه، و هو الذي أشير
إليه بقوله تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» و قال تعالى: «ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.» و هذا الملك و كلّه اللّه تعالى بإدارة الأفلاك، و حركات الكواكب، و
ما تحت فلك القمر، من سائر الأركان و مولّداتها من المعادن و النبات و الحيوان
أجمع. و هذا الملك هو أكبر من الفلك، و أقوى منه، و أعظم، و أقدم، و أشرف، و أجلّ
و أعلى من سائر الخلائق الجسمانيين. و هو يقدر على تسكين الأفلاك و الكواكب كما
يقدر على تحريكها، لأن