هناك، و تفنى مادتها، و تخمد تلك و تسكن. و
كذلك حركات بقاع الأرض عند الزلازل. و ربما ينشقّ ظاهر الأرض و تخرج تلك الرياح و
الدخانات و البخار المحتقن المحتبس دفعة واحدة، و تنخسف الأرض و البقاع، و يقع في
تلك الأهوية كما ينخسف سقف البيت و يقع في أرضه.
و أما حركات الارجحنان فعند الحكماء أنها تترجّح تارة من الجنوب إلى
الشمال، و تارة بالعكس، و لكن الناس لا يحسون بها لكبر الأرض و عظمها، كما لا يحس
أهل المراكب في البحر بحركاتها، عند شدة سوق الرياح لها.
و ذكر هذا الحكيم أن علة تلك الحركة هي مرور الشمس، تارة من البروج
الجنوبية إلى البروج الشمالية، و تارة من الشمالية إلى الجنوبية، و إنما تجذبها
إلى حيث دارت معها و كيف مالت، كما تجذب نباتها من باطنها إلى ظاهرها، و كما تجذب
أصول النبات و فروعها إلى الهواء. و من الحكماء من قال إن سبب ذلك هو أنه من دوران
الشمس فوق الأرض، في ناحية الشمال ستة أشهر في الصيف، كما ذكر في المجسطي، سخنت
أهوية تلك البلاد و مياهها، و تحللت رطوبة تلك البلاد، و خلا ذلك الجانب، و تحركت
الأرض و ترجحت، و ثقل الجانب الآخر و تحركت الأرض، و ينقل المراكز البعد و الثقل
جميعا، و ترجحت الأرض و لكن لا يحس بها لكبرها. و لهم في هذا احتجاجات و كلام و
أقاويل يطول شرحها.
فأما الذين أنكروا ذلك من الحكماء، و دافعوا أن تترجح الأرض فقالوا:
لو كان القول كما قيل و كما زعموا، لكان يجب أن تختلف مسامتات[1]
الكواكب الثابتة لبقاع الأرض في الشتاء و الصيف؛ و كان يجب أن يرتفع القطبان تارة،
و ينخفضا تارة؛ و كان يجب أن يكون موضع خطّ الاستواء الذي تحت معدّل النهار
مختلفا، و لسنا نجد الأمر كذلك، فدل على أن ما